تعيش المنطقة مخاضاً عسكرياً – سياسياً – أمنياً بالغ الخطورة والتعقيد، تتنافس على تعزيزه »الثنائية الدولية«، الموزعة بين الولايات المتحدة وحلفائها، وروسيا وايران وحلفائهما، وهي مرحلة يتفق الجميع على وصفها بأنها مفصلية وحاسمة والجميع يتصارعون على من ستكون له الكلمة الأولى في هذه المنطقة والامساك بزمام الأمور فيها.. ولم يعد لبنان بعيداً عن هذه التطورات الضاغطة، والافرقاء اللبنانيون يتعاملون معها وكأنها »قدر محتوم..«.
لقد أحدث حراك الرئيس سعد الحريري هزّة ايجابية بالغة الأهمية، دلّت على ان المسألة تجاوزت ما كان في عرف كثيرين، مجرد »إضاعة وقت« بانتظار »كلمة السر« تأتي من الخارج، أياً كان هذا الخارج دولياً أم اقليميا أم الاثنين معاً..
»الوقت لا يعمل لصالح لبنان..« هذا ما خلص اليه الرئيس الحريري الذي يتابع جولاته واتصالاته على القيادات السياسية، ومفتاح الحل هو في يد اللبنانيين، وان الفرصة قد لا تتكرر بسهولة، لاسيما وان الحراك الديبلوماسي الدولي و»الأممي« والعربي اليومي والمتلاحق قد أضاء على العديد من الضرورات التي لا بد منها، ومن أبرزها الاسراع في انجاز الاستحقاق الرئاسي والتوقف عن سياسة هدر الوقت، التي يحمل فيها عديدون »حزب الله« المسؤولية الأساسية فيها..
المسألة لم تعد موقوفة على مسألة ديمومة الحوار الذي تعطل، والذي لا بد منه، بل على الارادة الوطنية التي يتطلبها نجاح الحوار وتكثيفه من اجل اخراج لبنان من دائرة الخطر، والعمل بسرعة من أجل ملء الشغور واعادة الحياة الى سائر المؤسسات.. وقد لفت عديدون من رجال السلك الديبلوماسي الأجنبي كما والعربي الجهود التي يبذلها الرئيس نبيه بري وتتقاطع مع الجهود التي يبذلها الرئيس سعد الحريري من أجل الوصول الى خلاصات ايجابية وحلول متكاملة للأزمة اللبنانية القائمة، من دون القفز من فوق تجارب التاريخ التي حتمت الحفاظ على حقوق ومصالح الافرقاء كافة..
لبنان في صلب الأزمة الاقليمية، وما عادت تنفع سياسة دفن الرؤوس في الرمال، وقد امتلأت الصفحات الأمنية بما لا يقدر من معلومات عن تداعيات الأزمة السورية، ليس فقط عبر النازحين، بل وإنما عبر دخول »خلايا ارهابية« على الخط تعمل ليلاً ونهاراً وتحضر للآتي من الأيام، وهي مسألة اثارت قلق عديدين في الداخل اللبناني والخارج الدولي والاقليمي والعربي..
نقطة البداية في نظر غالبية المبعوثين الدوليين، المقيمين منهم في السفارات او الموقتين، تبدأ من التفاهم والتوافق على سلة حلول متكاملة، على رأسها انتخاب رئيس للجمهورية واجراء انتخابات نيابية وتشكيل حكومة تتمتع بأقصى درجات الشفافية.. ويقر الجميع، ان الطريق الى هذه الخلاصة، تبدأ من الخارج الاقليمي والعربي، وبالتحديد من الرياض ومن طهران، مع التشديد على »ان القرار في النهاية هو للبنانيين« على ما تقول ممثلة الامين العام للأمم المتحدة في بيروت سيغريد كاغ، التي تؤكد أن »الوقت ليس حليف لبنان، لأن الوضع في المنطقة يزداد تعقيداً ونواجه الكثير من التغييرات الغامضة والمعطيات غير الثابتة في ظل تنامي التعصب والتطرف..« متمنية على الجميع »ضرورة التوقف عن اضاعة الفرص..«.
ليس من شك في ان »الحراك السياسي« الذي أحدثته عودة الرئيس الحريري حرّك الجمود على خط الاستحقاق الرئاسي، كما على سائر الخطوط، بشكل او بآخر.. لكن من السابق لأوانه الحكم النهائي على ما ستؤول اليه، فكما ان هناك مؤيدين فإن هناك »ممانعين« و»معارضين« و»متحفظين« حتى في صفوف الفريق الواحد.. وتأخير موعد انعقاد جلسة انتخاب الرئيس الـ٤٦ الى ٣١ تشرين الول لن يخفف من هذا الحراك.. ومن الأهمية بمكان لفت الانتباه الى ما قاله نائب الامين العام لـ»حزب الله« الشيخ نعيم قاسم، الموصوف »بالتطرف«، أول من أمس، وجاء متقاطعاً مع حركة الرئيس الحريري واللقاء الذي تمّ في عين التينة بين الرئيسين بري والحريري، والذي وضع ما يمكن وصفه بـ»خريطة طريق« تستند الى أمرين اثنين، لاخراج لبنان من أزمته: الأول »كف يد اللاعبين الاقليمين والدوليين عن التدخل في شؤوننا..« والثاني »عدم انتظار نتائج وتطورات أزمة المنطقة التي يمكن ألاّ تنتهي..«.
بديهي ان يسأل »حزب الله« ما اذا كان مؤمنا وملتزماً بهذه »الليونة الموصوفة والمفاجئة والى أي مدى ووفق أية شروط، وهي التي تعنى في الخلاصة العودة الى استقلالية القرار الوطني اللبناني، والى تحييد لبنان عن الصراعات الدائرة وعدم ربطه بها.. خصوصاً وأن مرجعيات دولية واقليمية ومحلية لا ترى طريق خروج لبنان من أزمته بغير التوافق السعودي – الايراني؟! وما يحتمه هذا من »تنازلات متبادلة«.. ومطلوبة للوصول الى نتيجة ايجابية.. فلبنان، على ما خلص اليه الشيخ قاسم »لا يمكن ان يتقدم او يخطو خطوات ايجابية الى الامام، إلا اذا عملنا على ان نتفاهم مع بعضنا، لأننا نعيش في بقعة واحدة..«.
الرسالة وصلت، وممثلة الامين العام للأمم المتحدة سيغريد كاغ عازمة علي ما تقول المعلومات على التوجه الى الدول المؤثرة مباشرة في الاستحقاق اللبناني، وباكورتها زيارة إيران يوم غد الاحد، وبعدها الى الرياض ولاحقاً روسيا.. ما دفع عديدين الى التأكيد على ان حركة الرئيس الحريري – التي لم ترتق بعد الى مستوى »المبادرة« لم تأتِ من فراغ، ولن تكون حلقة جديدة من الدوران في الفراغ طال الوقت أم قصر..؟