IMLebanon

الحريري ونصر الله أمسكا بطرف الحل..؟

يبدو أن دماء الشهداء الأبرياء في برج البراجنة لن تذهب هدراً، ولن تُمكِّن المجرمين من تحقيق أهدافهم الآثمة، في تفجير الفتن المذهبية، والوطنية مع الأشقاء الفلسطينيين.

لقد أطلقت دماء الشهداء والجرحى المشاعر الوطنية النبيلة من عقالها، وكأنها كانت أسيرة الخلافات السياسية والحزبية، وحبيسة الإنقسامات العامودية الوطنية، طوال السنوات الماضية.

وتجلّى الإجماع الفوري والعفوي في استنكار التفجيرين المجرمين، وإدانة المخطّطين والمنفّدين، تنظيماً وأفراداً، في مواقف وطنية مشهودة، تجاوزت في صدقيتها الحواجز السياسية، والحساسيات الطائفية والمذهبية والمناطقية، وأحدثت صدمة في الوجدان الوطني، أدّت إلى وقوف اللبنانيين صفّاً واحداً ضد الإرهاب وجرائم الإرهابيين، ومتمسّكين بعروة الوحدة الوطنية، السلاح الأقوى في درء الأخطار الوافدة عبر الحدود.

ولعلّها من المناسبات النادرة، التي تتماهى فيها مشاعر المواطنين العفوية، مع مواقف القيادات الوطنية، حيث أدرك الجميع، على ما يبدو، حجم الخطر الإرهابي الداهم، وضرورة القفز فوق الخلافات التقليدية، والعمل معاً لإنقاذ البلاد والعباد من دوّامة التصارع والتطاحن التي أنهكت الجميع، وتكاد تقضي على ما تبقى من مقوّمات الصمود والإستمرار.

* * *

في رحاب هذا المناخ الوطني الشامل، تنفّس اللبنانيون الصعداء وهم يستمعون إلى خطاب أمين عام حزب الله السيّد حسن نصر الله، مساء أول أمس السبت، والذي كان على مستوى من المسؤولية والوضوح، في حديثه عن أهمية إحباط أهداف التفجير الإرهابي في برج البراجنة، وفي مقدّمتها، إشعال نيران الفتن مع الفلسطينيين، وبين السنّة والشيعة، وبين اللبنانيين والسوريين.

إخماد نيران الفتنة في المهد خطوة ضرورية وإنجاز مهمّ، ولكن وحده لا يكفي للإنتقال بالبلد من حالة العجز والشلل الراهنة، إلى المستوى المنشود من الدينامية والقدرة على مواجهة التحديات المحدقة، عبر إعادة العافية إلى المؤسسات الدستورية، وفي مقدّمتها رئاسة الجمهورية الشاغرة منذ أكثر من سنة ونصف السنة، وإلى مجلس الوزراء المعطَّل عن الإجتماع والإنجاز منذ أسابيع مريرة، خاصة وأن تجربة الجلسة التشريعية في مجلس النواب، أكدّت أهمية التوافق بين الأطراف السياسية، على تمرير المشاريع الحيوية، واتخاذ القرارات الملحّة، لتجنّب الوقوع في مهاوي الإنهيار القاتل.

لقد أوضح السيّد نصر الله في خطابه الأخير ما كان يمكن أن يكون ملتبساً بالنسبة للبعض، حول دعوته للإتفاق على «سلّة كاملة»، للخروج من مسلسل الأزمات الحالية، عندما أكّد بأن التسوية الشاملة تنطلق بهذا الدستور، وبهذا النظام، وبهذا الطائف، وبالآليات الدستورية المعتمدة حالياً، نافياً بذلك كل ما تردّد عن نيّة أو دعوة مبطّنة لعقد مؤتمر تأسيسي.

* * *

اللافت في كلام الأمين العام لحزب الله أنه ينطلق من مُسلَّمة وطنية، أثبتت التجارب القاسية التي مرّ بها لبنان صعوبة تجاوزها أو حتى تجاهلها، وملخّصها أن لبنان هو بلد التسويات والمعادلات الدقيقة، وأن أيّة محاولة للخروج عن قواعد التسوية من شأنه أن يُحدث خللاً في المعادلة، ويُعرَّض البلد إلى صراعات وصدامات، تصل أحياناً إلى ساحات الحروب الداخلية.

ومآسي عهود الإستقلال المتتالية، قبل الطائف وبعده، أكّدت عدم قدرة أي مكوّن لبناني على آخر، واستحالة نجاح أي مكوّن على تحدّي إرادة المكوّنات الأخرى، مهما بلغت قوّته المحلية، ومهما كان نفوذ داعميه الخارجيين.

والحديث عن تسوية شاملة و«سلّة متكاملة»، ليس جديداً في لبنان، حيث شهدت أزمات مماثلة مثل هذه المخارج، كان آخرها «إتفاق الدوحة»، الذي جنّب البلد حرباً جديدة، وأنهى الشغور الرئاسي بترجيح كفّة العماد ميشال سليمان مرشّحاً توافقياً، وتشكيل الحكومة الجديدة، واعتماد قانون إنتخابات عام 1960، مع بعض التعديلات الطفيفة عليه.

والتوافق، اليوم، على سلّة حلول متكاملة، من شأنه أن يُسرِّع خطوات إخراج البلاد والعباد من دوّامة الأزمات الراهنة، بدءاً من أزمة النفايات التي تهدِّد السلامة الصحيّة والبيئيّة لأكثرية اللبنانيين، إلى المعالجات المالية العاجلة للإستمرار في تأمين رواتب العاملين في القطاع العام، بمن فيهم الجيش والأجهزة الأمنية الأخرى، فضلاً عن إطلاق ورشة المشاريع التي أقرّ مجلس النواب في جلسته التشريعية إتفاقيات تمويلها، قروضاً ميسّرة أو هبات.

وما طرحه الرئيس سعد الحريري، في معرض ردّه الإيجابي على دعوة نصر الله، من أهميّة إيجاد حل للفراغ الرئاسي في إطار خريطة طريق «تكون بدايتها التوافق حول رئاسة الجمهورية»، يُعتبر مدخلاً منطقياً إلى التسوية الشاملة، التي تتضمّن بنودها النقاط الخلافية الأخرى، وفي مقدّمتها قانون الإنتخاب، إلى جانب طبعاً تشكيل الحكومة الجديدة، وتنظيم عمل مجلس النواب.

* * *

من نافل القول التأكيد بأن تحقيق التسوية الشاملة من شأنه أن ينتشل لبنان من مستنقع الأزمات ومشارف الإنهيار، ويُعيده إلى رحاب واسعة من الأمن والإستقرار، ويجعله أكثر قدرة على مواكبة تطوّرات المنطقة: سلماً أم حرباً.

غير أن ثمّة من يعتقد أن دعوة حزب الله للتسوية الشاملة، تُحاول استباق جهود التسويات الكبيرة في المنطقة، والتي قد تؤدي إلى تبدّل في المشهد الإقليمي الحالي.

الواقع أن اللحظة المتاحة لالتقاط الإنفاس، وإطلاق ورشة الحوار وصولاً إلى التسوية المتكاملة دفعة واحدة، يجب الإمساك بها بالأسنان، وعدم تضييع الفرص المفصلية القادرة على اختصار مآسي اللبنانيين، وإنهاء معاناتهم المستدامة مع مسلسل الإنقسامات والصراعات والأزمات.

الرئيس سعد الحريري والسيّد حسن نصر الله أمسكا بطرفي خيط الحل.. فهل ما زال الآخرون يتردّدون؟!