مرور عشر سنوات على استشهاد الرئيس رفيق الحريري لم يغيّر حتى اليوم المسار الذي يظهر التعايش على مضض بين مشروعيّن: مشروع الحريري الذي يريد للبنان الحياة بكل طاقة البناء، ومشروع إيران العابر من بحر قزوين حتى البحر المتوسط غير آبه بالبلدان التي يمرّ بها إذا بقيت أم لم تبق على قيد الحياة في حال مانعت بقاءه.
الرمزان الكبيران لهذين المشروعيّن في الوطن الصغير هما اليوم: نجل الشهيد الرئيس سعد الحريري والأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله. كلاهما ينطق بلغة مشروعه فإذا بهما خطان متوازيان لا يلتقيان.
الحريري عشية الذكرى العاشرة لاستشهاد والده قال عبر قناة LBC: “… أقول للشباب والشابات ولكل المؤمنين بمشروع رفيق الحريري انه… بنى حين كان الناس يهدمون”.
أما نصرالله وفي آخر إطلالة له في 30 كانون الثاني الماضي في احتفال شهداء القنيطرة قال: “منذ العام 1982 … المقاومة وحدها هي الرد”.
لا داعي للتشكيك في صدق ما يقوله الرجلان، لا بل على العكس فإنهما يرسمان معالم الحدود التي وضعت لبنان منذ عشرة أعوام على مفترق مصيري: هل أن لبنان بلد مستقل بموجب خريطة سايكس – بيكو التي أنشأت كل دول الشرق الأوسط تقريباً باستثناء إسرائيل؟ أم أن لبنان منصة لإيران بموجب الخريطة التي وضعها وليّ الفقيه عام 1983؟
كثيرون يتذكّرون في ذلك العام أن ورش الحريري أنهمكت بكل طاقاتها لإزالة آثار الاجتياح الاسرائيلي بدءاً من بيروت في وقت كان الحرس الثوري الايراني يضع اللمسات الاولى لفرعه اللبناني الذي صار لاحقاً “حزب الله”. كان جهد الحريري فريداً في ذلك الوقت لإعادة إعمار ما دمرته الحروب بشراً وحجراً. أما جهد إيران فكان واحداً من جهود عدة تتنافس عسكرياً فكانت مثلاً مجازر الصراع المهولة بين “حزب الله” وحركة “أمل” عام 1989 في إقليم التفاح لتأكيد هيمنة طهران على القرار الشيعي.
اغتيال الحريري في 14 شباط 2005 جاء بعد 22 عاماً من مسيرة مشروع غيّر معالم لبنان في شكل لا مثيل له منذ إنشاء لبنان عام 1943 مما يفسر كيف أن الحشد الأضخم في تاريخ لبنان قد التأم في 14 آذار بعد شهر على وقوع الجريمة ليؤكد انتماءه لمشروع الحريري. أما مشروع إيران بنسخته اللبنانية فقد بلغ أقصى طاقته جماهيرياً في 8 آذار 2005 تحت عنوان الوفاء لنظام بشار الاسد. واليوم بعد عشر سنوات على الجريمة يصارع مشروع الحريري من أجل البقاء كي يبقى ما أنجزه على قيد الحياة فيما يصارع مشروع إيران من أجل البقاء أيضاً ولو اقتضى ذلك سفك دماء لبنانيين الآن في جنوب سوريا. المشروعان يتلاقيان مرحليا كي يبقى لبنان على قيد الحياة لكنهما الى فراق نهائي لا محالة.