لا أحدَ يقطع مع أحد في لبنان، هذا هو الإنطباع العام الذي يتعززُ هذه الأيام أكثر من أي يومٍ مضى:
تيارُ المستقبل يتحاور مع حزب الله في عين التينة.
طاولة الحوار تنعقد في مبنى البرلمان.
حزب الكتائب بدأ حواراً مع حزب الله.
القوات اللبنانية تتحاور مع التيار الوطني الحر وقد توصلا إلى ورقةِ إعلان نيات.
الرئيس سعد الحريري التقى الوزير سليمان فرنجيه منذ شهرين، وتردد ان لقاءً ثانياً عُقِد أخيراً في باريس.
***
لا أحدَ يقطع مع أحد في لبنان، كما لا التحالفات هي كل شيء في لبنان. هذا هو لبنان:
خلطةٌ عجيبة من التحالفات والخصومات التي قد تنقلب عداوات أو تحالفات، وقد تؤدي إلى صدامات ليعود الجميع كالشطَّار إلى طاولة الحوار.
مَن كان يقول إنَّ حزب الله والمستقبل سيجلسان إلى طاولةٍ واحدة؟
مَن كان يتصور أنَّ التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية قد يتوصلان إلى ورقة إعلان نيات؟
مَن كان يعتقد بأنَّ زعيم 14 آذار قد يُرشِّح أحد قادة 8 آذار لرئاسة الجمهورية؟
***
كلُّ شيءٍ وارد، وكل شيء محتمل، لكن الأساس في كل ذلك هو الشفافية في الأداء.
إذا كانت الأولوية هي لرئاسة الجمهورية فإن اللقاءات الأكثر من مشروعة هي تلك التي تصبُّ في خانة تقريب كل ما من شأنه تحقيق هذا الهدف:
فاللقاءات بين معاوني عون وجعجع شبه يومية، والحركة المكوكية بين الرابية ومعراب لا تتوقف.
وإذا كان الأمرُ كذلك فلماذا لا تكون الحرارة قائمة على خط بنشعي – باريس؟
إنَّ ملفَ رئاسة الجمهورية بالنسبة إلى الرئيس سعد الحريري هو أولوية الأولويات، ولهذا فهو يضعه في سُلَّم إهتماماته بصرف النظر عن التحالفات والإصطفافات. إنتظر الرئيس سعد الحريري ثمانية عشر شهراً أمام المأزق الرئاسي وكانت كل الأبواب موصدة:
لا المرشح سمير جعجع يستطيعُ تأمين نصاب الثلثين، ولا المرشح ميشال عون يستطيعُ تأمين هذا النصاب، فماذا يفعل؟
هل يبقى مكتوف اليدين مئة عام؟
هل يتخلى عن الملفِ الأول في لبنان وهو ملف رأس الدولة؟
***
إنَّ ما يقوم به الرئيس سعد الحريري هو مبادرة جدية وشفافة وجريئة، قد يُقال إنها سرية، الجواب أنَّ أسلوبها السرِّي هو لتجنُّب النيران عليها، سواء النيران الصديقة أم نيران الخصوم، وقد كان على حق حيث أنَّه ما إنْ عُلِم بتفاصيل اللقاء الأول حتى انهال إطلاق النار السياسي عليه من كل حدبٍ وصوب، فلماذا تكرار المحاولة؟
المهم في كل ما يجري، أنَّ تكون الخواتيم على قَدْر الآمال بإذن الله.