Site icon IMLebanon

الحريري ومتلازمة استوكهولم

 

سياسة   مقال   

 

لا يحتاج الأمر طبيباً نفسياً. في السياسة، الرئيس الحريري مصاب بمتلازمة استوكهولم. هي العارض الذي يصيب المخطوف، فيقع «في حب خاطفه». يتعاطف معه. ويصل هذا التعاطف أحياناً إلى حد تبرّع المخطوف بمساعدة الخاطف في مواجهة رجال الشرطة الذين يريدون تحريره.

إذا استثنينا سمير جعجع وعقاب صقر ونديم قطيش وبولا يعقوبيان وموظفي النظام السعودي، فإن كل من له أدنى إلمام بالسياسة وتفاصيلها يُدرك أن الحريري خُطِف في السعودية، على يد ولي العهد محمد بن سلمان، في الرابع من تشرين الثاني 2017 (وهو ما أكده الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الفائت). بعد عودته، تصرّف الحريري بصفته مخطوفاً محرراً. في خطابه بعد تحريره، وفي مجالسه الخاصة التي كاد يترحّم فيها على أيام الوئام بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد، لم يُخفِ أنه كان معتقلاً. أداؤه السياسي بقي مدموغاً بما قاساه في أيام الرياض الثقيلة. قاطع من اتّهمهم بالتآمر عليه، كسمير جعجع وفارس سعيد وآخرين، ثم أبعد، قليلاً، من طعنوه. لكن، رويداً رويداً، بدا كما لو أنه يتحيّن الفرصة للعودة إلى مضارب ابن سلمان. من رجل يفكّر في نقل عائلته خارج السعودية، لإبقائها في مأمن من بطش ولي العهد، إلى رجل لا همّ له سوى إرضاء «الأمير محمد». عاد الرئيس المحرَّر مواطناً سعودياً، ينفّذ أوامر الرياض بلا أن تنطق بها.

كشخص مسلوب الإرادة، منقاد إلى خاطفه بدفع من متلازمة استوكهولم، يدير حياته السياسية. يُدرك تماماً أن من أنقذوه من مصير نزلاء «الريتز»، هم بالدرجة الأولى حزب الله والرئيس ميشال عون خارج العائلة والتيار، ونادر الحريري ونهاد المشنوق. كيف يتصرّف مع هؤلاء؟ بعد أشهر من التمنع عن التحدّث مع سمير جعجع، عادت بوصلته لتنجذب حصراً من معراب. علاقته مع حزب الله عادت إلى ما كانت عليه قبل الاحتجاز. ومع عون، يتصرّف كما لو أنه يريد التحرر من سجن وضعه فيه رئيس الجمهورية، رغم أن الأخير خاطر بعهده وبعلاقة لبنان بالسعودية والإمارات لتحرير من وصفه بـ«أميرنا المحتجز». أما نادر الحريري، فنفّذ ما يشبه العمل الانتحاري، سياسياً، لتحرير ابن عمته، فإذا به يتحوّل إلى أول ضحايا الشيخ سعد. يبقى نهاد المشنوق. لأجل إبعاده عن سرايا الصنائع، وعن سكّة البقاء مرشحاً لرئاسة الحكومة (ولو برضى الحريري لا غصباً عنه)، قرّر رئيس تيار المستقبل فصل النيابة عن الوزارة! المشنوق الذي غامر أيضاً بحياته السياسية، لرفض القرار السعودي بمبايعة بهاء الحريري ولياً لعهد ابن سلمان في لبنان. لم يعبّر عن موقفه في تشرين الثاني الماضي لفظاً وحسب، من على باب دار الفتوى، بل قرر التحرك لإنقاذ رئيس الحكومة. مما فعله، مثلاً، قصده القاهرة ذات ليل، لإقناع المسؤولين المصريين بأن الحريري مختطف، وأن تحريره واجب وطني وعربي!

يتعامل الحريري مع محرّريه كما يتعامل المصاب بمتلازمة استوكهولم. «لاوعيه السياسي» يجبره على الابتعاد عنهم، ومساعدة خاطفه على إزاحتهم. فعوارض متلازمة استوكهولم تصل إلى ذروتها في مرسوم التجنيس. في لائحة الحريري، ورد اسم الصحافي السعودي، الزميل أحمد عدنان، كأحد الذين طلب الحريري منحهم الجنسية اللبنانية. ولمن لا يعرف عدنان، يمكن مراجعة ما يكتبه في الصحف السعودية، وعلى مواقع التواصل الاجتماعي. وإذا تجاوزنا أن الرجل قال في ميشال عون وجبران باسيل ما يمكن أن يُقطع رأس لبناني في الرياض لو قاله بحق مسؤول سعودي، تكفي الإشارة إلى ما كتبه السفير الإماراتي حمد الشامسي عن عدنان، في إحدى البرقيات التي بعث بها إلى بلاده (يوم 17/11/2017)، حين وضع عدنان، مع عقاب صقر ونديم قطيش وآخرين، في جبهة تواجه نادر الحريري الذي كان يسعى إلى تحرير ابن عمته.

لا تزال تنقص الحريري خطوة واحدة، لتكتمل نتائج إصابته بمتلازمة استوكهولم: استقبال فارس سعيد ورضوان السيد، برفقة ثامر السبهان، وتكريمهم، والطلب إلى رئيس الجمهورية تقليدهم أوسمة.

 

من ملف : الحريري الجديد