منذ ما يزيد على العشر سنوات، أي منذ قرّر النظام الأمني الصفوي المذهبي اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري لإسقاط لبنان الدولة والكيان، فإنّ عدداً من القوى اللبنانية وفي مقدّمها الرئيس سعد الحريري وجمهوره العريض يعمل على منع انهيار لبنان الدولة والمؤسسات.
وبمقدار ما حاول الحريري وحلفاؤه ويحاولون الحفاظ على الدولة ومؤسساتها، يعمل البعض الآخر على ضرب أركان الدولة ومقومات وجودها، ليتحول لبنان ساحة صراع إقليمية لتوجيه الرسائل الحارة حيناً، والملتهبة حيناً آخر، لمصلحة قوى إقليمية تحلم بعودة امبراطوريتها التي انهارت بقوة وعزيمة الرجال الذين انطلقوا من قلب جزيرة العرب نحو سواد العراق وما بعدَ بعدَ بلاد الرافدين.
كثيرة هي التضحيات التي قدّمها المسلمون، وخصوصاً أهل السنّة والجماعة في لبنان، ومعهم بعض القوى المسيحية الوطنية للحفاظ على سيادة ولبنان وعروبته، وإبعاده من الحرائق الملتهبة في الإقليم العربي وجواره. فمن محاصرة سراي الحكم (مقر الحكومة ورئاستها) على يد قوى الأمر الواقع وميليشياتها المذهبية، الى 7 أيار المشؤوم ومن بعدها إسقاط حكومة الحريري الأولى، والرجل يحمل قضية لبنان الى عواصم القرار الدولي، وبعدها اضطراره الى الابتعاد من بيروت التي أحبّها وأحبّته نتيجة الخطر الأمني والسياسي، وما أعقبه من حملات ظالمة ومشبوهة من بعض القوى المحلية والإقليمية لحصار ومحاصرة الدور الوطني والعروبي للمرجعية الوطنية للمسلمين في لبنان لمصلحة البعض.
كل هذه التحدّيات والعقبات لم تمنع الحريري وفريقه الوطني وبدعم عربي مشكور، من أن يُقدِم على خطوته التاريخية الشجاعة وغير الشعبية، بتجاوز النزاع السياسي بين قوى «14 آذار» و«8 آذار» من ناحية، والتعالي على الخلاف السياسي العمودي مع «التيار الوطني الحر» وقيادته من ناحية أخرى، من أن يدعم وصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، وهو الذي يعلم ويدرك خطورة موقع عون ومواقفه محلياً وعربياً ما قبل الرئاسة.
والسؤال الكبير الذي يدور في ذهن وفكر المتابع والمراقب، أما آن الأوان لبعض القوى المرتبطة بمشاريع خارج لبنان وأمته العربية أن تعود الى صوابها ورشدها، وتعمل للمصلحة اللبنانية أولاً، والعربية ثانياً، وتخرج من جاذبية المصالح الإقليمية التي تريد أن يبقى لبنان وسوريا والعراق وبعض اليمن أوراقاً سياسية، تتنازل عنها لصنّاع القرار الكبار لمصلحة مشروعها القومي المغطى بالصفوية حيناً، وبمحاربة الشيطان الأكبر (أميركا) أو الأصغر (العدو الصهيوني) حيناً آخر؟! وهم بلا شك غير صادقين.
والسؤال الآخر، لمصلحة مَن تحريك الشارع أخيراً واختراقه ببعض المشبوهين والمندسّين الملثّمين والمعروفين ليعبثوا بالأمن الاجتماعي وليشوّهوا مطالب الناس وحاجاتهم؟ وتفهّم الحريري لهذه الصرخات وهو الرئيس الشجاع الذي تجاوز حراسه ونصائحهم الأمنية ليخاطب ويحاور الناس الطيبين، أصحاب الحاجة والحقوق وليقول لهم «تعالَوا فأنا معكم ولكم وفي خدمة حاجاتكم».
أيمكن أن يكافَأ الرئيس الحريري بهذه الغوغائية التي حرّكتها وحمَتها ودفعتها القوى الظلامية التي لا تريد لبنان وطناً عربياً سيداً حراً مستقلاً، يضحّي بعض قادته بما يملكون من مال وصداقات ليبقى الوطن ويحيا المواطن بكرامته.
غير أنَّ هذا التأييد والدعم للحريري من كل المناطق اللبنانية والذي عبَرَ الطوائف والمذاهب والمناطق، يؤكد بلا شك أنّه سينجح بالتغلب على التحديات والغوغائية، ليعيد الثقة بالدولة ومؤسساتها، وليعود لبنان كما يريده جميع الشرفاء والمواطنين، لا سلطة فوق سلطته، ولا سلاح إلّا سلاح جيشه وقواه الأمنية الرسمية.
إنّ نزول الحريري الى الشارع لملاقاة الناس والتجاوب مع حاجاتهم هو نهج لم يسبقه إليه أحد من قادة لبنان، والمهم أن تكون هذه الخطوة الشجاعة والواعدة خطوةً نحو وضع حدٍّ للفساد والمفسدين، وضبط المرافئ البحرية والجوية والبرية، وأن تتجاوب كل القوى والمكوّنات السياسية معاً وتخرج من خنادقها وكهوفها المذهبية والطائفية، وتدخل في رحاب الوطن، لتصنع مع الحريري ثقافة المواطنة والحرية التي يطمح إليها اللبنانيون جميعاً، لبناء الدولة المدنية الحديثة العادلة.
سعد الحريري الرئيس الشجاع، القويّ بناسه الطيّبين الذين ضحّوا وقدّموا التنازلات، ليبقى لبنان سيداً حراً عربياً مستقلاً، هؤلاء الناس الطيبون الذين هم قوة الحريري، لن يُقدموا على أيّ تضحية أو تنازل لمصلحة قوى أو تيارات أو شرائح لا تعمل لمصلحة لبنان وعروبته.