IMLebanon

لماذا «يتدلّل» الحريري على عرض نصرالله

بالتأكيد فان الرئيس سعد الحريري لم يحلم منذ زمن طويل بأن يسمع بمثل العرض الصريح والسخي  وبدون مواربة الذي سمعه من الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله للعودة الى السراي ولا هو توقع  ما اعلنه السيد من عدم ممانعة ورغبة في عودته الى الحكومة، ولكن عرض السيد على اهميته تعرض لاطلاق نار كثيف عليه من الاخصام اولاً  الذين يخشون ان لا يلتزم الطرف الآخر به فيكون فريق 14 آذار «اكل الضرب واضطر الى القبول بعون في بعبدا لمدة ستة سنوات،  فيما يبدو ايضاً انه لم يعجب حلفاء من الخط نفسه لا يقبلون تكرار التجربة مع الحريري.

الا ان اهمية العرض المقدم من سيد المقاومة تتمحور في عدة اتجاهات، بحسب مصادر متابعة، فما يقوله السيد يعتبر كلاماً صادقاً ولا تراجع عنه وهو عندما يقدم وعوداً فانها تعني الالتزام الى ابعد الحدود، هذا ما فعله في موضوع الالتزام الاخلاقي بالجنرال ميشال عون في الطرح الرئاسي  وعدم المناورة عندما طرح الحريري ترشيح سليمان فرنجية، واهمية الطرح ان نصرالله بدون شك لم ينفرد به بل فان الوجه المستتر يتضمن عدم ممانعة او رفض من الجانب الايراني له، ولعل اهم من ذلك ان زعيم المقاومة في سطور العرض الذي قدمه يمكن تفسير ان حزب الله لن يكون معرقلاً لتشكيل الحكومة.

وتقول المصادر ان الحريري قد يكون قادراً على العودة الى الحكومة اذا ما حصل على الدعم الاقليمي وبالتنسيق مع الداخل الا ان جبهة 8 آذار يمكن ان تفتح في وجهه لعرقلة التأليف، وهنا مكمن الرسالة وفحواها كما تقول المصادر ان حزب الله سيسهل التسمية والتأليف اولاً، الا ان المفارقة ان الحريري او تيار المستقبل قرأ الرسالة وفق ما تقتضيه قراءات قياداته وبتمايز بين قيادييه  وفق امزجة البعض وصل الى حد مناقضة بعضهم بعضاً والى اظهار وجه التباين والخلاف السياسي داخل المستقبل، وقد يكون موقف السنيورة هو الاشد معارضة وبحسب اوساط في فريق 8 آذار فان السنيورة يعبر عما يختلج في نفسه وعن حلمه الجديد والقديم بالعودة الى رئاسة الحكومة وقطع الطريق على «الشيخ سعد»، في حين ان الحريري نفسه لم يصدر اي رد او اشارة او تغريدة «تويترية» بل يكتفي بإجازته ويطلق اهتمامه لتسوية اوضاعه المالية.

حتى الساعة فان الحريري نفسه ربما لم يقرر كيف سيكون الرد على مبادرة نصرالله بالوصول الى السراي عبر ممر الزامي هو معبر ميشال عون، لكن الحريري الذي يمارس الغنج والدلال بحسب المصادر وينتظر التوقيت للرد فان له حسابات اخرى مختلفة، هو طبعاً لا يمكن ان يبادر بدون موافقة المملكة السعودية واخذ بركتها، والمملكة لا تزال كما يبدو واضحاً تضع «فيتو» على رئاسة عون، وبالتالي فان حسابات السعودية لا ترتبط فقط بما يجري على الساحة اللبنانية انما باحداث المنطقة وما يجري في اليمن وسوريا، الا ان الموافقة على المبادرة من قبلها في حسابات البعض قد لا تكون بالضرورة عملية معقدة، فالعودة الى السراي من شأنها تعزيز الدور السعودي في لبنان، ومن شأنها تقوية الحريري حليفها السني الذي يعاني من ضمور في شعبيته وتراجع برز واضحاً على الساحة السنية في الانتخابات البلدية الاخيرة.

ومن هنا فان اي موقف سيكون خاضعاً لتوازنات دقيقة تضيف المصادر، وهو سيكون على ربط بالاحداث، وبالتالي فان ما سيحصل حالياً سيكون سقفه مواقف و«فلتات شوط» من فريق 14 آذار لتسجيل المواقف وهي لا تعدو اطار «الجعجعة بدون طحين». وبالتالي فان قرار الحريري ومن ورائه السعودية هو الملزم، وما الاصوات المعترضة في المستقبل الا «لزوم ما لا يلزم» فكل الاسباب والموجبات تدفع الحريري الى الاخذ بترشيح ميشال عون، فالسير بخيار فرنجية لم يثمر توافقاً داخلياً حوله، وبالتالي فان الاستمرار في التعنت ومصادة القرار المسيحي بات معادلة تخسر تيار المستقبل الذي فقد جزءاً من رصيده السني وهو ينحو لخسارة جزء من الرصيد المسيحي خصوصاً بعد «الخربطة» التي حصلت في الشارع المسيحي المؤيد للحريري وجعجع على اثر تفاهم معراب، وان جزءاً من الشارع المسيحي بات يحمل الحريري مسؤولية التعطيل في الملف الرئاسي والشغور في بعبدا، عدا ذلك فان عودة الحريري وقبوله طرح «رئيس مقابل رئيس» تعيده الزعيم السني الاقوى وترد منافسيه الى بيوتهم منكفئين ومطأطئي الرؤوس، خصوصاً ان الوصول الى السراي قد يكون مضموناً الا ان التأليف ليس في الجيب في حال لم توافق 8 آذار.

وبالتالي فاهم من كل ذلك ان الملف الرئاسي محشور في عنق الزجاجة منذ اكثر من سنتين برفض عون التراجع الى الخطوط الخلفية والتنحي عن الرئاسة واصرار فرنجية على الاستمرار في المعركة طالما يحظى برضى اقليمي ومن قوى في الداخل وتأييد المستقبل وبالتالي فان لا مخرج للازمة الرئاسية الا بحل المعضلة وتقديم التنازلات، لامتصاص النقمة المسيحية اولاً وخصوصاً ان الرابية نجحت في زرع الفكرة في اذهان المسيحيين بأن الحريري يعطل الرئاسة وبمنع المسيحي الاقوى تمثيلاً من الوصول الى قصر بعبدا، وللعودة الآمنة الى السراي وعدم تكرار فكرة الخروج منها وهذا لا يحصل الا بالتوافق بين القوى السياسية المؤثرة بالقرار الداخلي وتطبيق مبدأ الشركة الوطنية الفعلية.