Site icon IMLebanon

الحريري و«الحزب» والمرحلة الصعبة..

 

بغض النظر عن التفسيرات والتحليلات المتنوعة والمتلاحقة للموقف السعودي التصعيدي ضد «حزب الله» خصوصاً، والجمهورية الإسلامية الإيرانية عموماً، يبدو أن هذا الموقف ماضٍ الى مزيد من التصعيد، وستكون له تداعياته وانعكاساته على مجمل الأوضاع في لبنان والمنطقة، التي لم تتلمّس بعد الطريق الى الإنفراج الموعود.

ويقول البعض ان إستقالة رئيس الحكومة الحريري ليست الّا تعبيراً عن شكل من الأشكال المختلفة للنزاع الدائر في المنطقة حول كل الملفات، وهو نزاع لا يمكن أن ينتهي إلّا بتسويات تتفق عليها القوى الأساسية الاقليمية والدولية المنخرطة فيه، وفي مقدّمها عواصم القرار الإقليمي والدولي.

ويؤكد سياسيون متابعون للأوضاع في المنطقة، ان النظام السوري وحلفاءه يعتبرون انفسهم انهم انتصروا عسكرياً في سوريا، إلّا ان التسوية السياسية المطلوبة للأزمة السورية لا يمكن ان تتم الّا برضى الجميع، واذا كان الجانب الروسي يستعجلها فإنه في الوقت نفسه يدرك أنه لا يمكن إنجازها من دون موافقة الجانبين الأميركي والخليجي، اللذين يشترطان تقويض نفوذ إيران والقوى الحليفة لها، وعلى رأسها «حزب الله» في سوريا والمنطقة، فيما إيران وحلفاؤها يرفضون شروط الأميركيين وحلفائهم، ما يجعل وضع المنطقة في ذروة التعقيد.

فالأميركيون، حسب هؤلاء السياسيين، يؤكدون ان لا تسوية في سوريا، أو أنهم لن يسمحوا بإمرار هذه التسوية ما لم يُزال من طريقها عائقان أساسيان:

ـ الأول، حسم مسألة حجم الدور والنفوذ الإيراني في المنطقة، (وهذا ما تطالب به دول الخليج قبل الولايات المتحدة الاميركية).

ـ الثاني، ضبط سلاح «حزب الله» وهذا يتطلب من المطالبين بهذا الضبط توفير الجهوزية اللازمة لذلك، او يتم الضبط بموجب التسوية الموعودة.
ويلفت هؤلاء السياسيون الى ان قول الرئيس السوري بشار الأسد «ان الحرب في سوريا لا تنتهي بتحرير دير الزور، وإنما بسوريا الموحدة»، انما هو موجه الى الجانب الروسي قبل الآخرين. ولكن اذا كانت موسكو تستعجل التسوية السورية، فإن واشنطن تستأخرها لمراهنتها على تقليص دور ايران ونفوذها ووضع حد لسلاح «حزب الله».

ولذلك، يضيف السياسيون أنفسهم والمطلعون على الموقف السعودي، أن الحريري بادر الى اعلان استقالته في الرياض، مستنداً الى ما سمعه من المسؤولين السعوديين الكبار، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، من معطيات عن «ممارسات حزب الله ومحاولاته لضرب الأمن القومي للمملكة»، حسب أوساط سعودية، وكذلك استناداً الى «تراكمات» كانت موجودة لديه حول «محاولات للقفز فوق التسوية الرئاسية»، وحسب المطلعين على موقفه، فإنه في حال أعيد تكليفه تأليف حكومة جديدة «لن يقبل تأليف حكومة يشارك فيها «حزب الله».

وإذ يتساءل فريق من السياسيين عن الأسباب التي تدفع المملكة العربية السعودية الى التصعيد وتكبير حجم النزاع الى هذا الحد، يجيب المطلعون «ان الموضوع الأساس لدى المملكة في هذه المرحلة بات النزاع حول دور «حزب الله» في المنطقة، من لبنان الى سوريا والعراق والبحرين واليمن، ولذلك فإنها أعدت العدّة لمواجهة «الحزب» وإيران أينما كان».

ويضيفون «أن الحريري، وخلافاً لما يقال ويشاع، قد استقال لأنه جزء من المعادلة القائمة، لكن بعض ما يجري هو تعمية على ضفاف المشهد السائد في المنطقة التي باعتراف الجميع تمر في مرحلة صعبة، لأن المسافة ما تزال بعيدة بين الإنتصار العسكري وإنجاز التسويات المطلوبة لمعالجة الأزمات.

فـ«الكباش» يدور هنا، في الإعلام يمكن تحويل استقالة الحريري شأناً داخلياً لبنانياً عبر إظهار الإعتراض على إعلانها من الرياض بدلاً من لبنان، وكذلك الغوص في المضاعفات التي أحدثتها والخطوات الدستورية والسياسية المطلوبة لاحتواء هذه المضاعفات.

إلّا أن كل ذلك لا يخفي حقيقة هي أن جزءاً اساسياً من النزاع الاقليمي الدولي الدائر في المنطقة بات محوره حزب الله». ويشير هؤلاء السياسيون في هذا السياق الى «ان الرأي الروسي في ما يجري ليس كالرأي الأميركي، ولكنه يشبهه، مع فارق ان موسكو لا تستطيع الاشتباك أو الاختلاف مع طهران».

وحسب السياسيين انفسهم أنه عندما أُبرمت التسوية الرئاسية بإنتخاب عون رئيسا للجمهورية الجمهورية وتسمية الحريري رئياساً للحكومة برر الأخير لحلفائه سيره بهذه التسوية أن في امكانه وعون ان يجلسا في الوسط بين الجميع، ولكن التطورات اظهرت ان عون استمر في تحالفه مع «حزب الله» وعبر ولا يزال عن هذا التحالف في كل المواقف التي يؤيد فيها الحزب ودوره على المستويين الداخلي والاقليمي، الى درجة انه اعتبر ان مصير سلاحه «مرتبط بالوضع في منطقة الشرق الاوسط».

ربما توحي مواقف المسؤولين اللبنانيين الكبار وفي مقدمهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب نبيه بري انهما «يتفهمان» الاسباب والدوافع التي أملت على الحريري اعلان استقالته من الرياض ولا يعتبران انها ناجزة، ولكنهما والآخرين من القيادات والقوى السياسية مقتنعون بأنه لن يقبل تأليف حكومة يشارك فيها حزب الله إذ أعيد تكليفه لهذه المهمة خصوصا في ضوء الاسباب الموجبة التي برر فيها استقالته وضمنها اعتراضه على موقفي الحزب وايران ودورهما في لبنا والمنطقة، علما أن الحرب التي تقرع طبولها في المنطقة ألآن لا امكانية لتجاوزها الا بتفاهمات اقليمية ودولية تبدو انها ما تزال بعيدة المنال.

بيد ان مقربين من دار الفتوى يؤكدون أن المشاورات واللقاءات التي يعقدها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان تشهد اجماعا على ان لا بديل للحريري في تأليف اي حكومة جديدة، ويشير هؤلاء الى ان جميع الذين التقتوا المفتي تلاقوا على ضرورة التريث والانتظار الى حين عودة الحريري من الرياض، وأشادوا بـ«حكمة» رئيس الجمهورية لأنه لم يتسرع في اتخاذ اي قرار. ويرشح مما تشهده لقاءات المفتي ان القرار السعودي نهائي لجهة التشدد في المواجهة مع حزب الله والنفوذ الايراني في لبنان والمنطقة، وان القيادة السعودية لن تتعامل مع اي حكومة يشارك فيها «الحزب».

وفي هذا السياق يقول السعوديون، ان الرياض التي قررت التعامل مع الحكومة اللبنانية الحالية او اي حكومة غيرها يشارك فيها حزب الله على انها «حكومة حرب على المملكة»، انما تنطلق من انها تعتبر الحزب «شريكاً في اعمال حربية وتدمير في المنطقة العربية»، ويضيف هؤلاء «أن المملكة أيدت التسوية الرئاسية في لبنان التي جاءت بعون الى رئاسة الجمهورية والحريري الى رئاسة الحكومة، على اساس انها ستنأى بلبنان عن الازمات والمحاور الاقليمة، لكن بعدما تبين وجود دلائل على تورط الحزب في زعزعة الامن السعودي والخليجي عموماً، لم يعد هناك اي مجاملة لدى القيادة السعودية لجهة تفهم الخصوصية اللبنانية وتشكيل حكومة يشارك فيها حزب الله لأنه متورط في الصواريخ التي تنطلق من اليمن على المملكة، وفي تدريب الحوثيين وفي «خلية العبدلي» (في الكويت) ولذلك تعتبر المملكة ان كل هذه الاعمال موجهة ضدها، ولذلك قررت مواجهته لأنه، في رأيها، ينفذ اجندة ايرانية في البحرين واليمن والمنطقة العربية، وهذا القرار أملته ضرورات حماية الامن الوطني والقومي للمملكة».

ويرى السعوديون أنه «بات ان على مختلف القوى السياسية في لبنان إتخاذ وقفة صريحة تعارض مشاركة الحزب في اي حكومة»، ويؤكدون أنه «لم تعد مقبولة تبريرات رئاسة الجمهورية حول ضرورة بقاء سلاح حزب الله تارة بسبب ضعف امكانات الجيش اللبناني وطورا من اجل قضية الشرق الاوسط».

ويتبين من مجمل التحركات والمشاورات الجارية لاستيعاب الوضع الناشئ من استقالة الحريري، ان التريث الرئاسي لن ينتهي بتعويم للحريري وحكومته، لأن هذه الاستقالة نافذة وان كان البعض ما زال يناقش في عدم نفاذها، ولكن ثمة مخاوف كبيرة من بقاء البلاد تحت رحمة حكومة تصريف اعمال الى امد طويل ما قد يهدد مصير الانتخابات النيابية المقررة في ايار المقبل.

وفي الوقت الذي يسعى البعض جديا الى اعادة تعويم الحكومة فان فريقا آخر يدفع في اتجاه تأليف حكومة سياسية لا يشارك فيها حزب الله او حكومة تكنوقراط لا يشارك فيها الافرقاء السياسيون وتكون مهمتها فقط اجراء الانتخابات النيابية.

فيما تشير المواقف الى ان «الحزب» لن يقبل بحكومة لا يشارك فيها، فإن البعض يعول على دور يمكن رئيس مجلس النواب نبيه بري في اقناع الحزب بتغيير موقفه واعتبار نفسه ممثلا بالوزراء الذين سيسميهم بري نفسه سواء كانت الحكومة الجديدة سياسية ام تكنوقراط.

علما ان «إتفاق الطائف» الذي بات مدستراً يفرض ان تأليف «حكومات وفاق وطني» لن السلطة التنفيذية لم تعد في يد رئيس الجمهورية حصرا وانما باتت مناطة بمجلس الوزراء مجتمعاً وهذا المجلس يفرض ان يتمثل فيه اوسع الوان الطيف اللبناني السياسي والطائفي والمذهبي.

في اي حال لم تتحدد الخيارات بعد، ولا ما ستؤول اليه المشاورات التي يجريها رئيس الجمهورية، او تلك التي يجريها مفتي الجمهورية، فعون مستمر في التريث منتظرا عودة الحريري ليسمع ما لديه حول الاستقالة ويبني على الشيء مقتضاه. اما دريان فإنه يلمس من غالبية الذين يلقيهم من مرجعيات وقيادات وشخصيات سياسية تأييدا لإعادة تكليف الحريري تأليف حكومة جديدة.

الجميع ينتظرون الحريري، والجميع يسألون متى سيعود؟ والارجح ان هذه العودة اوشكت، والبعض يؤكد أنها باتت متوقعة في أي وقت. علما ان البعض يتكهن في ان لا يعود الرجل الا بعد ان تحسم المشاورات الجارية شكل الحكومة الجديدة ومضمونها لئلا يطول عمر حكومة تصريف الاعمال ويهدد مصير استحقاق الانتخابات النيابية.