Site icon IMLebanon

الحريري… وخريطة الطريق الى الشراكة

ثمّة ملاحظة تفرض نفسها على المشهد الداخلي. كان البلد يسير على حافة التوتر والانقسام والتناقض والافتراق والاختلاف والتشنّج على كل المستويات. فجأة، تدحرجت الإيجابيات في كل اتجاه؛ تمّ انتخاب رئيس جديد للجمهورية… تمّ تكليف رئيس لتشكيل أولى حكومات العهد الرئاسي الجديد، وبأكثرية عالية وغير مسبوقة وغير متوقعة. خطاب هادئ بين القوى السياسية، تفاهم رئاسي واضح ومودة متبادلة بين الرؤساء، وها هي الحكومة الجديدة خاضعة لوعود جدية بقرب ولادتها، فما الذي حصل؟ وما الذي أدى الى هذا الانقلاب في الصورة السياسية؟

مِنَ الطبيعي أن يبعث هذا التحوّل الارتياح الذي لطالما تاق اليه اللبنانيون لكن ولأنّ لبنان – كما يبدو – بلد الانقلابات الفجائية، يبقى التمنّي ألّا يكون هذا الارتياح مجرّد فورة موقتة، يعود البلد بعدها الى سابق عهده من الانقسام، خصوصاً أنّ الأسس التي يفترض أنه يرتكز عليها ليست واضحة ولا معلومة، بل بالعكس يشوبها الكثير من الغموض وعلامات الاستفهام.

في أيّ حال الجميع يتحدثون عن فرصة دخلها لبنان، ويقولون إنّ استثمارها مسؤولية مشتركة بين القوى السياسية، علماً أنّ هذه القوى قد صعدت كلها في المركب… إلّا أنّ العبرة تبقى في كيفية إبحار هذا المركب والوجهة التي سيسلكها؟

الرئيس ميشال عون راغب في إطلاق عهد صلب يحمل فيه مفتاح الحلول للأزمات والملفات المتراكمة، ورسم خريطة طريقه في خطاب القسم.

الرئيس نبيه برّي عبّر عن كل استعداد لأن يكون رافعة للعهد وناصراً ونصيراً لحكومة إن أرادوها عنواناً حقيقياً وجدياً للشراكة والتعاون والتوازن، وحسن الإدارة والنهج.

الرئيس سعد الحريري، ومن موقعه الجديد، هو المعنيّ الأول في كيفية إطلاق المركب وتحديد وجهة الإبحار، وثمّة إشارات وملاحظات ينبغي الوقوف عندها:

– أولاً، ظهر الحريري في لحظة التكليف بحلة جديدة، طبعاً لا تتصل هذه الحلة الجديدة بالهندام والتأنّق، بل في نوعية الخطاب الذي استخدمه، والذي كان بعيداً جداً عن مضمون الخطاب الذي كان يعتمده قبل التكليف، إذ لبس ثوب التوافق والشراكة والتوازن والجمع والاجماع الوطني، وذهب فيه الى ما أبعد من الانفتاح على جميع الفرقاء من دون أن يستثني أحداً حتى أولئك الذين لم يسمّوه او الذين يقف معهم على طرف نقيض.

– ثانياً، عاد الى رئاسة الحكومة على صهوة أكثرية يعتدّ بها، نال من خلالها ثقة غير مسبوقة به، وضعته أمام مسؤولية إقران القول بالفعل وبالتالي الالتقاء مع كل الفرقاء السياسيين حول قواسم مشتركة.

وحسناً فعل الحريري حينما قال لرئيس الجمهورية إنّ الأصوات الـ112 التي نالها هي أصوات للعهد، لم يكن بهذا الكلام يخاطب رئيس الجمهورية بقدر ما كان يخاطب أولئك الذين هم من داخل فريقه ولم يلتزموا بالتصويت لمَن هو التزم معه، وبالتالي تَسبّبوا بهذا الفارق الكبير بين الأصوات التي نالها هو في التكليف والأصوات التي نالها رئيس الجمهورية، وكأنهم تعمّدوا إحراجه بالفارق أمام رئيس الجمهورية.

– ثالثاً، كل هذا السياق من الخطاب الإيجابي، إضافة الى عدد الأصوات التي نالها، معطوف على الرعاية الدولية لما يمكن أن يسمّى «التسوية اللبنانية»، وعلى الحضور السعودي المباشر فيها، وعلى الانفتاح السريع والمؤثر للرئيس برّي، وعلى عدم الممانعة من «حزب الله»، إضافة الى التأييد العارم من مختلف القوى السياسية الأخرى، كلّ ذلك يمنح الحريري فرصة أن يكون إنجازه سريعاً، لا بل أسرع من المتوقع إن أُحسِنت إدارة الوقائع وتَمّت مقاربتها كما يجب.

– رابعاً، إحدى أهم العلامات الإيجابية التي سقطت على الوضع الحريري بعد التكليف، هي الاحتضان الشعبي الذي حظي به الرئيس المكلف في محيطه ومع جمهوره وتجلّى ذلك في المظاهر الاحتفالية التي توزّعت على مختلف المناطق، وظهّرت انّ الحريري ما زال يمسك ببيته الداخلي خلافاً لكلّ ما قيل في الفترة السابقة، وظهّرت أيضاً أنّ كل الأصوات الاعتراضية التي صدرت ممّن كانوا في محيطه وتوَعّدت بالويل والثبور وعظائم الأمور، ما هي إلّا أصوات هوائية فارغة ومجرد قنابل صوتية لا فعالية لها.

تبعاً لذلك، يستطيع الحريري أن يشعر بمعنويات عالية، لكن تلك المعنويات تكتمل بتشكيل حكومة في أسرع وقت ممكن، مبنية على خريطة طريق تمكّن الحريري من الوصول الى الغاية المنشودة، وترتكز على ما يلي:

– أولاً، التكامل مع العهد الرئاسي الجديد. وهو قد عبّر عن هذا التوجّه.

– ثانياً، الإنفتاح الجدي على رئيس مجلس النواب، لجعل المؤسسة التشريعية الى جانب السلطة التنفيذية التي لا يمكن أن تسير بشكل طبيعي إلّا اذا كانت مرفودة بدعم واضح ومواكبة من السلطة التشريعية، ومعلوم أنّ بري كان دائماً يلعب دور كاسحة الألغام من أمام الحكومات، ومعلوم أيضاً أنّ الحريري نفسه يدرك أهمية العلاقة مع برّي وضرورتها لانطلاقة حكومية سليمة.

– ثالثاً، المرونة في الأداء والاستفادة جدياً وأخذ العبر من تجارب الحكومات السابقة وخصوصاً تجربته الحكومية الأولى.

– رابعاً، عدم المبالغة في الطموحات، ومقاربة الأساسيات بما يمكن أن يلائم العمر القصير للحكومة التي إن شكّلت اليوم، فلن يزيد عمرها عن سبعة أشهر، أي انّ عمرها ينتهي مع نهاية ولاية المجلس النيابي الحالي في أيار المقبل. وبالتالي كلما تأخر التشكيل قَصّر عمر الحكومة.

واذا كان من غير المعلوم مع قصر عمر الحكومة التي يتم تشكيلها، تمكنها من مقاربة الأساسيات، وكل الملفات والعناوين المثقلة بالآمال والطموحات والامنيات، خصوصاً ما ورد في خطاب القسم وكذلك ما سيَرد في البيان الوزاري لهذه الحكومة.

فهذا لا يعني انها قد تكون حكومة بلا فعالية، بل ثمّة أساسيات لا مفرّ منها، وأوّلها وضع الموازنة العامة قبل أيّ عمل آخر لتسيير عجلة الدولة، وثانية الأساسيات إعداد قانون انتخابي جديد. وهناك من يتحدث عن انه قد يكون العقدة التي تربط العلاقات على اختلاف مستوياتها بتناقض واشتباك.

واللافت للانتباه أنّ هذا القانون الجديد باتَ مطلباً ملحاً بدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب والمرجعيات الروحية المسيحية خصوصاً إضافة الى غالبية القوى السياسية. والأهمّ انه في ظل العهد الرئاسي الجديد صار محكوماً بأمرين:

الأول، في ظل عهد الرئيس عون، إنّ كلمة «تمديد» لمجلس النواب تحديداً، لم تعد تصلح تحت أيّ عنوان، حتى ولو كانت هناك تفاهمات منظورة او غير منظورة حول هذا الموضوع. فعون يشكل حاجزاً أمام التمديد ومانعاً له، وبري أيضاً الذي قال انّ التمديد من سابع المستحيلات ولن يفتح المجلس النيابي امام أي إجراء من هذا النوع.

الثاني، قانون الستين، صار مرضاً يتجنّبه الجميع أقله في تصريحاتهم، ويدعون الى الخلاص منه. وبالتالي فإنّ محاولات المناورة والمماطلة ومحاولة جعله شراً لا بد منه وإجراء الانتخابات النيابية المقبلة على أساسه، معناه توجيه ضربة كبيرة للثقة بالعهد وكسر لهَيبته وانطلاقته التي ما زالت في مرحلة الحَبو.

وللحريري الدور الأساس في الوصول الى قانون جديد، وربما هو بات مدركاً أنّ قانوناً انتخابياً تشكّل فيه النسبية عنصراً حيوياً وفعّالاً، هو الشر الذي لا بد منه ولا مفر من الوصول إليه، وثمة صيَغ عديدة مطروحة قد تشكّل قاسماً مشتركاً بين الجميع ويمكن الوصول اليه.

والأرجحية هنا قد تكون للقانون المختلط بين الاكثري والنسبي، أو القانون التأهيلي على مرحلتين: أكثري في مرحلة أولى على مستوى القضاء، ونسبي في مرحلة ثانية على مستوى المحافظة.

في أيّ حال، كل الأمور متوقفة على ولادة قريبة للحكومة، إلّا إذا طرأ ما يؤخّر ذلك، وعندها يصبح هناك كلام آخر.