IMLebanon

الحريري وخطورة التشبّه بـ«الصحوات»

على رغم أنّ أحداً في تيار «المستقبل» لم يجزم بحصول نقاش مع «التيار الوطني الحر» حول رئاسة الجمهورية، فإنّ ما يتسرّب خصوصاً من قناة الاتصال الدائمة التي تربط الوزير جبران باسيل بمستشار الرئيس الحريري نادر، يفيد أنّ نقاشاً حصل، وصحيح أنّ الحريري (نادر) لا يسير في خيار ترشيح النائب ميشال عون، إلّا أنّ النقاش مطروح، لكنه على الأرجح لم ولن يؤدي الى أيّ نتيجة إيجابية.

الاسباب كثيرة، ولا تقتصر على رفض البيئة السنّية لترشيح عون، الذي سيضيف سلبيات أخرى على علاقة الحريري بقاعدته، كما لا يقتصر على الرفض السعودي لعون صاحب التجربة المعروفة في العلاقة مع السعودية، بل تتصل بطبيعة الصفقة التي يمكن الاتفاق عليها، والتي لا يمكن عون أن يقدّم فيها أيَّ حدّ أدنى من الضمانات التي قدمها النائب سليمان فرنجية.

المغزى في ذلك كما يشعر البعض في تيار «المستقبل»، أنّ عون ليس صاحب القرار في ما يتعلق بتأليف الحكومة، كما أنه ليس مفوّضاً أن يتّفق مع الحريري على الحدّ الأدنى من النقاط التي تُمكّن الأخير من وضع اليد بيده.

لا يملك عون أن يقرّر مَن يكون رئيس الحكومة، وإذا ما انتخب، وإذا ما سُمّي الحريري رئيساً، فلا يوجد أيّ ضمان لأن يساعد عون في تأليف الحكومة، بل على الأرجح سيلعب دور المساند لـ«حزب الله» في فرض الشروط على الرئيس المكلف، بما يتعلق بتركيبة الحكومة، وبالبيان الوزاري، الذي يريد منه الحزب هذه المرة في وضوح أن يغطي سلاحه في لبنان وفي سوريا، عبر وضع فقرة تعطي هذا السلاح شرعية الدفاع عن لبنان في وجه إسرائيل والإرهاب، وفي هذا المجال أعطى عون المؤشرات الواضحة في تغطية قتال «حزب الله» في سوريا ولا يزال وسيبقى.

لهذا يمكن الحزب أن ينزل الى المجلس وينتخب عون في حال أُحرِج بموافقة مفاجئة من الحريري، كذلك يمكن أن يوجِد سبباً لعدم النزول، لكن في كلّ الحالات، لن يُحرَج الحزب في كسب رئيس كعون، والانتقال الى مرحلة ثانية تهدف الى كسب القرار في أيّ حكومة ستُشكل، وكلّ الاحتمالات تبقى واردة، بدءاً من معارضة وصول الحريري الى رئاسة الحكومة، مروراً بعرقلة تشكيله للحكومة إذا ما سمّته الغالبية النيابية، وصولاً الى احتمال إسقاطه بـ»الثلث المعطل» في أيّ لحظة يجد فيها أنّ مصلحته تقتضي ذلك، تماماً كما فعل عام 2010.

ومع أنّ التصوّر العوني لإغراء الحريري بالقبول بعون، يرتكز الى إغرائه بقبول صفقة متكاملة، حول تقاسم الحكم على قاعدة «عون في بعبدا والحريري في السراي»، فإنّ أكثر المتفائلين في «المستقبل»، لا يرون أيّ واقعية في القبول بهذا الإغراء، لأنّ القرار ليس في يد عون، فضلاً عن أنّ الأخير لن يتردّد متى امتلك توقيع الرئاسة، في فتح معارك الصلاحيات، وفي عرقلة تطبيق «إتفاق الطائف»، فما يفعله اليوم وهو يمتلك وزراء في الحكومة، سيكون مضاعَفاً، إذا ما وصل الى بعبدا، وامتلك «الثلث المعطل».

في موازاة الإغراء العوني غير المستند الى الواقع، يتعامل الحريري مع إغراء آخر من داخل البيت، حيث يؤيّد فريقٌ معروف التسوية مع عون، على أن يكون الحريري أو مَن يُسمّيه رئيساً لحكومة العهد الأولى.

وهذا الإغراء سقط في كتلة «المستقبل» التي عبّرت عن رفض التسوية، ليس بمنطق رفض عون كشخص، بل بمنطق عدم تكرار مغامرة عام 2009، التي انتهت كارثياً بإسقاط حكومة الحريري عام 2010، وهي تجربة يمكن أن تتكرّر بسهولة، هذه المرة، بعد استنزافٍ سيكون مكلِفاً، خصوصاً إذا تجرّع الحريري كأس القبول بـ«الثلث المعطل»، وببيان وزاري غير متوازن، وبقانون انتخابي يقلب موازين القوى، وبمشاركة «حزب الله» مباشرة في الحكومة، مع ما تحمله هذه المشاركة من أعباء على رئيسها، كون الحزب أصبح مدرَجاً على لوائح الإرهاب العربية والدولية.

وهذا إن حصل لن يكون أكثر من تكرار سيّئ للتعايش مع سلاح «حزب الله» ومشروعه، ولن تكون هذه الحكومة إلّا «حكومة صحوة» جديدة، على طريقة التشبّه بـ»الصحوات» العراقية، بغية نيل غطاء الشرعية السنّية منه، مقابل وعد بتقاسم وهمي للسلطة.