IMLebanon

المشنوق حاول «تكحيلها فعماها… الحريري «غاضب» والعسيري يتدخل

لا يعرف الرئيس سعد الحريري هذه الايام من اين تأتيه «المصائب»، انه رجل غير محظوظ لا في اصدقائه ولا في اعدائه..فبعد ساعات قليلة على سجاله الحاد مع رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وجد رئيس تيار المستقبل نفسه «عاريا» بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى عميق في السياسة، بعد شهادة مجانية في «الولاء» للسعودية تبرع في  الاقرار بها وزير الداخلية نهاد المشنوق على الهواء مباشرة … كلام اثار «حنق» الحريري وغضبه، لكنه ظل غضبا مكتوما وكاد ان «ينفجر» تغريدات «قاسية» لولا تدخل السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري الذي طالبه بالتروي حتى «يبنى على الشيء مقتضاه» خصوصا ان المشنوق قد اطاح في «الطريق» مبدأ «العفة» «والطهارة» الذي  تتلطى خلفه الدبلوماسية السعودية..

وبحسب اوساط سياسية مطلعة ، اراد المشنوق ان «يكحلها فعماها»، ففي معرض تبريره القرارات «الانهزامية» للرئيس سعد الحريري على مدى الاشهر والاعوام السابقة، كان يريد ان يقول ان وزير العدل المستقيل اشرف ريفي «منافق» كونه يستخدم شعارات تخلى عنها تيار المستقبل رغما عنه، وبأمر ملكي سعودي، وبمعرفة وزير العدل، فكانت النتيجة ان المشنوق عن «سابق تصور وتصميم» او عن «سوء تقدير» للموقف، قال صراحة ان رئيس تيار المستقبل ليس الا «موظفا» امينا لدى الدولة التي يحمل جنسيتها، وغير قادر سوى على تنفيذ التعليمات التي تتماشى مع سياسة المملكة واستراتيجيتها في المنطقة… «ما حصل «كارثة» سياسية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فصاحب «شعار» «العبور الى الدولة» «ولبنان اولا» اتضح وبشهادة احد معاونيه المقربين من «خط» سعودي نافذ، ان ما يقوله مجرد «ترهات» وشعارات «فارغة» وشعاره الحقيقي هو «السعودية اولا» وليس اي شيء آخر… طبعا «التهمة» ليست جديدة لكن ان تصدر عن المشنوق بهذا التفصيل الممنهج والواضح «شيء»، وان تصدر عن «خصوم» الحريري شيء آخر»…

ووفقا للمعلومات، لم يكن الحريري في اجواء المطالعة «الدفاعية» التي اعدها المشنوق لتبرير سياسة «المستقبل»، لكن بداية الكلام بين الرجلين «عتب» لا يعرف بعد كيف سيتطور، لا سيما ان السفير السعودي في بيروت علي عواض العسيري من دعاة التريث خصوصا انه لم تتضح بعد «نوايا» المشنوق الحقيقية من وراء اماطة «اللثام» عن تدخل المملكة المباشر في السياسة اللبنانية، وعدم قدرة تيار المستقبل على رد «اوامرها»… فهل «اجتهد» فأخطا؟ ام ان بعض النافذين في القيادة السعودية الجديدة اصحاب السياسة «الهجومية» يريدون من الان فصاعدا «اللعب على المكشوف» لإثبات حضورهم القوي على الساحة اللبنانية و«دون قفازات»؟ وثمة «اشكالية» تحتاج ايضا الى متابعة دقيقة، وهي ترتبط بحقيقة من يمثل اليوم «الصوت» السعودي في لبنان، هل هو «المتطرف» اشرف ريفي الذي تلقى اتصال تهنئة من السفير السعودي على «انتصاره» في طرابلس على «تيار المستقبل»!؟ هل هو النائب خالد الضاهر الذي انضم الى قائمة «المنظرين» على الحريري من خلال مطالبته بقراءة «درس» الانتخابات البلدية جيدا..؟ ام هو «تيار المستقبل»؟ واي «فرع» في «التيار الازرق» الذي تحول الى مراكز قوى ونفوذ؟ اما السؤال الاهم الذي يحتاج الى اجابة واضحة فيرتبط باهداف»اللعبة» المزدوجة التي تمارسها المملكة التي تفرض على الحريري سياسات «معتدلة» ادت الى تكبيده خسارة فادحة في شعبيته، فيما تواصل رعايتها «للمنشقين» المتطرفين الذين يحصدون النجاحات على حساب «المستقبل»؟..

هذا «التخبط» السعودي لا ياتي من فراغ، وبحسب اوساط دبلوماسية في بيروت، فان المملكة التي تخوض حربا مفتوحة ضد ايران وحزب الله لا يشكل الاستقرار في لبنان اولوية اذا ما ارتأت ان ثمة فرصة لارباك الحزب واضعافه، والاجراءات المالية والاعلامية والسياسية التعسفية دليل واضح على عدم اكتراث القيادة الجديدة لتبعات سياستها على الاستقرار اللبناني «الهش»، وما قاله المشنوق عن رغبة دولية بعدم «تفجير» «قنبلة» اللاجئين السوريين حقيقي وصحيح، وهو ما شكل احد الاسباب الموجبة «لكبح» جماح السعوديين في الفترة السابقة، وتهدئة خواطرهم، عبر القبول بضغوط تحافظ على الحد الادنى من الاستقرار الامني الذي يمنع تدفق «موجات» النزوح الى اوروبا والغرب… لكن ماذا لو قررت السعودية ان تلعب «بالورقة» اللبنانية لاستخدامها اداة للضغط على الاميركيين الذين يضيقون الخناق على المملكة في اكثر من ساحة في المنطقة؟ كيف سيتصرف الحريري عندئذ؟ هل بامكانه رفض الاوامر «الملكية»؟ ام سيحين عندئذ دور الزعامات المتطرفة التي نمت على «ضفاف» تيار المستقبل؟

هذا الامر قد يجيب عن اسباب «الازدواجية» السعودية ، ويبدو جليا ان المخاطر تزداد، لان السعوديين يشعرون بتخاذل اميركي كبير في سوريا، ويشعرون بالضيق من التفاهمات الاميركية – الايرانية على الساحة العراقية، اما قيادة السعودية لمعركة التصدي «للمشروع الإيراني» كما قال الوزير المشنوق، فهي تتعثر، ومن الواضح ان  المملكة وحدها من تخوض هذه الحرب وتدفع تكاليفها الباهظة، وحتى دولة الإمارات التي تشارك عسكريا في الحرب جنوب اليمن، تواصل تعميق علاقاتها التجارية بطهران، وثمة اسئلة كبيرة تدورحول أسباب عدم مشاركة مصر والأردن بفعالية في الحرب رغم انهما أعضاء في التحالف العربي، ووقعت معهما المملكة اتفاقات تعاون «استراتيجي وتنسيق مشترك».

ولا يتوقف الامر عند هذا الحد تضيف الاوساط الديبلوماسية، فمن خلال عدم قدرة السعودية على تحقيق حسم عسكري في الحرب اليمنية والمفاوضات في الكويت، يبدو جليا ان الإدارة الأميركية الحالية لا تريد للسعودية تحقيق انتصار عسكري وسياسي حاسم تستعيد من خلاله نفوذها  المفقود في «حديقتها الخلفية»… فواشنطن تمارس ضغوطا على الرياض من أجل الاستمرار في المفاوضات في الكويت، «الحوثيون» حققوا ما يريدونه من اعتراف دولي بشرعيتهم وتحولت «لعبة الوقت» لمصلحتهم … وما يقلق السعوديين ان الوسيط الدولي غير مدعوم بإرادة أميركية جادة لفرض الحل على انصار الله… وثمة علامات استفهام كبيرة في السعودية حول استمرار تدفق السلاح الايراني الى انصار الله بحرا على الرغم من اتفاق التعاون العسكري مع الولايات المتحدة والذي تتضمن المشاركة في فرض الحصار البحري على اليمن؟

هذا التوتر السعودي – الاميركي قد يدفع المملكة في لحظة «تخل» لاستخدام الساحة اللبنانية كورقة ضغط على الغرب لتعزيز قدراتها التفاوضية في ملفات اخرى، وما كشفه المشنوق من خضوع تياره السياسي وتبعيته للقرارات السعودية، يثير القلق لدى اوساط 8 آذار، ويعزز المخاوف من تداعيات غير محسوبة… «فالساحة السنية» تمر في حالة فقدان وزن، الرياض بين «حقدها» على حزب الله ورغبتها في ضربه، وبين الضغوط الغربية، تمر في حالة من «التخبط» غير المسبوقة، «التسريب» المقصود عن الدور البريطاني والغربي في طرح ترشيح الوزير سليمان فرنجية للرئاسة «مثير للريبة»… افتراض هزيمة حزب الله في سوريا، والبناء عليها، دليل على سوء فهم حقيقي لمجريات الاحداث قد يؤدي الى استنتاجات خاطئة… وبانتظار التداعيات، لا بد من اجراء مقارنة بين شهادتين ستبقيان للتاريخ، واحدة قالها المشنوق دون مواربة عن «التبعية العمياء» من قبل الحريري للسعودية، وأخرى قالها النائب وليد جنبلاط قبل اسابيع عندما اقر بأن للسيد حسن نصرالله «مكانة» في طهران تمنحه سلطة اتخاذ القرار في لبنان والمنطقة…