مع عودة الرئيس سعد الحريري، يُفترض ان تتجدّد الحرارة في اسلاك الملف الحكومي المعلّق. لكن يبدو أنّ المسألة لا تتعلق بمكان وجود الحريري، بل بالقدرة على إنجاز التفاهم الصعب بينه وبين الرئيس ميشال عون، وسط اقتناع كل منهما بأنّه على حق، فيما تُطرح تساؤلات مستجدة عن طبيعة التأثيرات الخارجية بعد التطورات الأميركية.
وترى مصادر سياسية، انّ الهجوم على الكونغرس بتحريض من ترامب، وما تركه من تداعيات اضافية على صورته ودعوات الى عزله، انما ستساهم في تكبيل حركته وخياراته خلال الأيام الفاصلة عن موعد تسليمه السلطة رسمياً، وبالتالي سيتقلّص كثيراً احتمال اندفاعه الى مغامرات عسكرية واسعة ضدّ ايران، وسط الوضع المستجد في الداخل الأميركي، والذي لم يعد يسمح للرئيس المنتهية ولايته بأن يستمر في التصرف العشوائي من دون قيد او شرط.
وفيما تجزم اوساط سياسية، بأنّ لا أمل في ولادة الحكومة قبل حفل تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن في 20 كانون الثاني الحالي، كسر رئيس الجمهورية ميشال عون جليد المراوحة الداخلية عبر زيارة معايدة «بمفعول رجعي» الى البطريرك الماروني بشارة الراعي في بكركي، بعدما كان غيابه عن قداس عيد الميلاد قد خضع الى تأويلات وتفسيرات عدة.
وأتى لقاء عون مع الراعي ليعيد وصل ما انقطع اخيراً بينه وبين البطريركية، في سياق محاولة الرئاسة الأولى احتواء عصف العظات الشديدة اللهجة للراعي، الغاضب من التأخير المستمر في تشكيل الحكومة، والذي يوزع المسؤوليات عنه على رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف.
ويبدو انّ عون سرد للراعي في خلوة الـ45 دقيقة روايته لاسباب تعثر المبادرة البطريركية، وشرح دوافع اعتراضه على التشكيلة التي رفعها اليه الحريري، بعيداً من مؤثرات الضخ الاعلامي، الذي بات يدفع رئاسة الجمهورية الى اصدار بيانات متلاحقة للنفي او التوضيح.
وتفيد رواية خصوم الحريري، في احد فصولها، انّ تبدلاً طرأ على موقفه بعد مرونة كبيرة كان قد أبداها أمام عون غداة تكليفه، حيث أبلغ اليه حينها، انّه لا يمانع في ان يحصل على حقائب الداخلية والدفاع والعدل، وفي ان يكون جميع الوزراء المسيحيين ضمن حصته، قبل ان يعود الرئيس المكلّف لاحقاً إلى المطالبة بالداخلية، على وقع الضغوط في بيئته وانطلاقاً من حرصه على عدم وضع «شعبة المعلومات» تحت رحمة عون و»التيار الوطني الحر». كذلك، سعى الى احتكار تسمية اغلب الوزراء المسيحيين، وفق اجتهاد مغلوط في تفسير الدستور وحقوق الرئيس المكلّف، علماً انّ السبب الاساسي لتهيّبه تشكيل الحكومة يعود في الدرجة الاولى الى تحسبه لردّ فعل الخليج وترامب على تمثيل «حزب الله»، كما يرجح معارضو الحريري.
اما خصوم عون، فيلقون مسؤولية عرقلة التشكيل على عناده وتمسكه بمعايير لا تتناسب مع خصوصية المرحلة التي يمر فيها لبنان، ومن شأنها ان تضرب اصل المبادرة الفرنسية وفلسفتها. ويعتبر هؤلاء، انّ عون يتحرك على «نوتة» مصالح طهران وحساباتها في مواجهة الولايات المتحدة، وانّ الحكومة باتت ورقة في مهبّ هذا النزاع.
وهكذا تمترس كل طرف عند لاءاته، لتغدو المعادلة- المأزق كالآتي: اذا تجاوب الحريري مع مطالب عون، تسقط قراءته للمبادرة الفرنسية ومقاربته لحكومة الاختصاصيين التي يريدها متحررة من النفوذ السياسي والحزبي. واذا تنازل عون يكون قد تلقّى هزيمة لا يتحمّلها أمام الحريري المفروض عليه اصلاً، والذي قَبل به على مضض بحكم الأمر الواقع.
ويُنقل عن مرجع سياسي كبير قوله في معرض توصيفه المأزق الحالي: عندما تستمع الى عون تشعر انّ الحق معه، وعندما تستمع الى الحريري تشعر أنّ الحق معه..
وفيما يوضح اكثر من مصدر، انّ العدد النهائي لوزراء الحكومة الجديدة لا يزال غير ثابت او مثبت، على الرغم من الترويج لحصول تفاهم سابق بين عون والحريري على سقف الـ18، عُلم انّ احد المعنيين بالملف الحكومي قال في مجلس خاص، انّه ما دام الحريري متحمساً لمبدأ التشكيلة المصغّرة، وهو يتمسك بتركيبة الـ18على هذا الأساس، فلماذا لا نذهب معه حتى الحدّ الأقصى في هذا الاتجاه، ونطرح صيغة الـ16 وزيراً التي تحقق من جهة طلب الرئيس المكلّف تكوين فريق عمل وزاري مصغّر، وتلبّي من جهة أخرى متطلبات التوازن في الطائفة الدرزية، التي يصبح بالإمكان تمثيلها بوزيرين؟
وتفيد المعلومات، انّ مسعى قد يتمّ من قِبل اصحاب هذا الطرح، لجسّ نبض الجهات المعنية به، واستشراف احتمالات حصوله على القبول.