قد تستمرّ حالة التكليف حتى نهاية ولاية صاحب الفخامة واختيار رئيس جديد، ولا شيء يُنهيها إلّا إعتذار الرئيس المُكلّف، أو إجراء إنتخابات نيابية في موعدها، قبل شهورٍ قليلة من نهاية العهد القائم.
والتكليف النيابي للرئيس سعد الحريري بتشكيل حكومةٍ جديدة قبل ما يقارب ثلاثة شهور، لم يُثمر حتى اليوم. فبقي لبنان من دون حكومة الإختصاصيين المأمولة، ووضعت الحلول المطروحة للأزمات المتراكمة على رفّ المافيا السياسية، وشُربت مياه المبادرة الفرنسية المغسولة للمرّة الألف.
مع ذلك، سيستمرّ الحريري رئيساً مكلّفاً بقوة الخيارات النيابية التي طلبت اليه تشكيل الحكومة، ولو بقي موقع تلك الحكومة شاغراً. والحريري في ذلك مثله مثل النائب ميشال عون عندما قرّر “حزب الله” أن يكون مرشحاً وحيداً لرئاسة الجمهورية، فاستمرّ الفراغ عامين ونصف العام، وشُلَّ المجلس النيابي، الى أن هبط الوحي على الناس في شكل قناعة بانتخاب الرئيس المُختار، وهكذا كان.
على أنّ فارقاً أساسياً يقيم في المقارنة بين حالتي تعطيل الرئاسة وتعطيل التشكيل. في الأولى، حلَّ خيار القوة المسلّحة أولاً في التجهيز والإقناع، قبل أن يتمّ التصويت الصناديقي في قاعة النواب، وفي الثانية، صوَّت النواب فعلياً على اختيارهم رئيس الحكومة، غير أنّ الطبخة لم تكتمل بسبب “ملاحظات” رئيس الجمهورية التي تذهب الى رفض القبول بالحريري أصلاً وفصلاً.
لكنّها المشكلة نفسها عاناها الرئيس سابقاً، فهو انتظر عامين ونيِّف، لأنّ من يرفضهم اليوم لم يقبلوا به تلقائياً يوم تقديمه للمنصب الأعلى، وهو يذكر من دون شكّ، ويذكر معه لبنانيون كثر بأسف أو بحرقة، كيف احتاج تنصيبه الى تسوية رئاسية سُمِّيت بالتاريخية، كان الحريري طرفها الآخر الأبرز، ثم أعقبتها انتخابات بلدية ونيابية في سياق من فرح التحالف وإعلاء شأن التوسّع في الإمساك بالسلطة، وتعداد النواب في سلال الحصص، وتقاسم الحصص والمشاريع، التي منها ما نجح، ومنها ما لاقى وجه ربّه باكراً.
في الخلاصة، احتاجت رئاسة عون تسوية قادها سعد الحريري، ويبدو أنّ رئاسة الحريري ستحتاج الى تسوية يقودها عون، ولو كان صاحب القرار فيها، هو نفسه الذي فرض الفراغ الى أن جرى ملؤه بالشخص المُختار من دون زيادة أو نقصان.