IMLebanon

الحريري “يكسر الجرّة” مع عون… ويسيّج صلاحياته

 

وفي اليوم المئة على التكليف خرج الرئيس سعد الحريري من زيارته بعبدا غاضباً، يتلو بيانه من دون تحديد اي موعد جديد لزيارته بعبدا، ما يؤشر الى ان الجرة انكسرت نهائياً بينه وبين رئيس الجمهورية ميشال عون، وقد بلغت الازمة الحكومية انسداداً سيجر معه مزيداً من التأزم السياسي والمالي والاقتصادي والامني بالتأكيد. أكثر ما يثير الذعر في مثل هذه الحالة ان تبلغ الازمة حد الانفجار الامني لا سيما وان الساحة مفتوحة على كل الاحتمالات.

 

لقاء عاصف جمع الرئيسين عون والحريري استتبع بحرب بيانات، سببه ورقة “منهجية” أرسلها عون للحريري تتضمن “4 أعمدة يؤدي اتباعها الى تشكيل حكومة”. تخاطبه على اساس كونه “حضرة رئيس الحكومة السابق” وليس الرئيس المكلف. فحوى الرسالة اغضب الحريري بالشكل والمضمون واعتبرها استفزازاً بقصد دفعه الى الاعتذار. ورغم ذلك أبقى على موعده وتوجه الى بعبدا حاملاً البيان الذي تلاه اثر اللقاء. لدى وصوله توجه الى رئيس الجمهورية بالقول: “انت أرسلت لي هذه الورقة وانا لا اقبل ان اعبي أسامي” فرد عليه عون: “انت الرئيس المكلف الذي يسمي أسماء الوزراء وانا رئيس شريك”، فأجابه الحريري: “انا اشكل الحكومة وانت تصدر مراسيمها”. رفض عون منطق الحريري وأصر على ما يعتبره حقه الدستوري. انتهت الزيارة وخرج الرئيس المكلّف معلناً “فخامة الرئيس أرسل لي بالأمس تشكيلة كاملة من عنده، فيها توزيع للحقائب على الطوائف والأحزاب، مع رسالة يقول لي فيها إنه من المستحسن أن أقوم بتعبئتها. وتتضمن الورقة ثلثاً معطلاً لفريقه السياسي”، موزعاً التشكيلة الوزارية التي سبق وسلمها لعون، وهو الامر الذي نفته رئاسة الجمهورية وشددت المديرية العامة في بيان تلاه المستشار السياسي والإعلامي لرئيس الجمهورية أنطوان قسطنطين، على ان الورقة “لا أسماء فيها لكي يكون فيها ثلث معطل، هي فقط آلية للتشكيل من باب التعاون الذي يجب ان يسبق كل اتفاق عملاً بأحكام المادة 53- البند 4 من الدستور”. وقالت: “من المؤسف ان يصدر عن دولة الرئيس المكلف، بانفعال، اعلان تشكيلة حكومية سبق ان عرضها هو في 9 كانون الأول 2020، وهي اصلاً لم تحظ بموافقة رئيس الجمهورية كي تكتمل عناصر التأليف الجوهرية، فضلاً عن انها تخالف مبدأ الاختصاص بجمع حقائب لا علاقة لها ببعضها”.

 

قد تمثل خطوة عون سابقة على مستوى العلاقات الرئاسية وتحمل على طرح علامات استفهام عن الهدف من ارسالها، فيما كان يمكن ان تكون موضع نقاش خلال لقاء محدد سابقاً مع الرئيس المكلف، وهو ما اطلق العنان للحديث عن خلفيات مرتبطة بنية احراج الحريري لالغاء الزيارة وتصويره امام الرأي العام على انه المتخلف عن البحث في الحكومة، لكن يبدو أن ورقة عون اعطت مفعولاً معاكساً بحيث تحول الموضوع من ناحية الحريري الى معركة صلاحيات الرئاسة الثالثة وخرجت اصوات تهنئه على مضيه في خوضها.

 

ولم تكن ورقة عون الوحيدة التي ازعجت الحريري، ازعجته قبلها زيارة رئيس “الحزب الاشتراكي” وليد جنبلاط الى بعبدا التي اعتبرها انقلاباً على مواقفه السابقة. ما فرض زيارة توضيح على وجه السرعة للنائب وائل ابو فاعور لنقل نقاط البحث مع رئيس الجمهورية ومن بينها اعلان حكومة من 24 وزيراً بينها ستة وزراء دولة سياسيين لتكون حكومة تكنوسياسية. يمكن اعتبار ان الحريري قلب الطاولة بوجه الجميع بالامس وليس بوجه عون فحسب، حيث شعر ان الغالبية بدأت تميل نحو حكومة تزيد على 18 وزيراً وتدعوه الى التسوية على هذا الاساس، والا فتعويم حكومة حسان دياب التي يميل اليها الجميع في قوى 8 آذار تقريباً.

 

وفور تلقيه رسالة عون، استبق الحريري زيارته بإرسال وفد الى بكركي لوضع البطريرك الراعي في اجواء رسالة بعبدا وكيف تعاطى معه عون مستبقاً لقاءه في بعبدا. ومن المتوقع ان يصار الى استنفار رؤساء الحكومات السابقين واعلان موقف لهم بهذا الشأن من دار الفتوى واعادة التأكيد على صلاحيات الرئيس المكلف.

 

ونقلت مصادر متابعة ان الحريري حضر الى بعبدا غاضباً، معتبراً انه كرئيس مكلف لا يمكن لأي طرف التدخل في صلاحياته وان رئيس الجمهورية يصدر التشكيلة ولا يشكل، وهذه نقطة الخلاف الاساسية بين الرئيس المكلف وعون. وتؤكد مصادر بعبدا أن رئيس الجمهورية “لن يتساهل في المسائل الدستورية والصلاحيات ولا في حقوق المسيحيين، لا سيما بعد الغبن الذي لحق بهم نتيجة تطبيق الطائف”. ونفت مصادر بعبدا ان يكون المقصود استفزاز الحريري وبررتها بالقول: “آخر الدواء الكي. بعد 17 زيارة للرئيس المكلف، في كل مرة كان يقدم تشكيلة مختلفة عن الثانية ولم يسأل عمن شكلها”. واعتبرت ان “الحريري دان نفسه بنفسه عندما اعلن تشكيلة اعدها من دون رأي رئيس الجمهورية وقد ارتكب سابقة بأن اعلنها وهي لا تزال قيد النقاش”. وعما اذا كان الهدف دفع الحريري نحو الاعتذار، أعادت المصادر تأكيد الرئاسة الاولى على “التزام الدستور لناحية صلاحية الرئيس المكلف، كما ورد في البيان اليوم وأمس وغداً وعلى تشكيل حكومة برئاسة الحريري ولكن المطلوب فقط احترام الدستور والميثاق”، وقالت: “ليس في نية احد دفعه للاعتذار، هو وحده يريد ان يلغي دور رئيس الجمهورية وتهميش المسيحيين بسلوكه”.

 

لعلها من اكثر المرات حرجاً لـ”حزب الله”، الوقوف الى جانب عون، والاستمرار في دعمه للرئيس المكلف وقد وصلت الامور امس الى مستوى من التوتر جعلته ينكفئ ويبتعد في انتظار تهدئة النفوس، علماً ان تدخله لن يحدث اي تغيير في واقع علاقة باتت مستحيلة بين عون والحريري، وهذا ما سبق ولمسه من خلال لقاءاته المتكررة مؤخراً بين الطرفين.

 

خلال كلمته الاخيرة قدم الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله نوعاً من خريطة الطريق، بدعوته الى تأليف حكومة بتدوير الزوايا، او تفعيل حكومة تصريف الاعمال، وطالما فشل الخيار الاول فالارجح من ضمن سلة الخيارات التي صارت اقرب للواقع هو الذهاب باتجاه مطالبة حكومة حسان دياب بتحسس مسؤولياتها وتفعيل عملها، والشروع بعقد اجتماعات لاتخاذ قرارات فاعلة.