بصرف النظر عما ستؤول إليه زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اليوم وما يحيط بمواعيده في بيروت، خصوصاً أنه لم يكن قد تحدد موعد بينه وبين الرئيس المكلف سعد الحريري حتى بعد ظهر أمس، فإن العارفين بالموقف في باريس يعتبرون أن إيكال مهمة إنعاش المبادرة الفرنسية إلى الوزير العالي اللهجة في مقاربة الملف اللبناني يؤشر إلى تشدد فرنسا من الآن فصاعداً، إذا لم تتشكل الحكومة. فهو أول من حذر من زوال لبنان ثم كان الأكثر وضوحاً في اتهام المسؤولين السياسيين بعدم إنقاذ شعبهم… وصولاً إلى أنه هو من تولى الإعلان عن نية باريس اتخاذ إجراءات تقيّد دخول شخصيات لبنانية إلى فرنسا…
وبصرف النظر عن الأزمة الصامتة الناشئة بين الإدارة الفرنسية وبين الحريري بسبب تصنيفه من قبل بعض أعضاء خلية الأزمة المكلفة متابعة الملف اللبناني على أنه من معرقلي تأليف الحكومة، أسوة برئيس الجمهورية العماد ميشال عون وصهره النائب جبران باسيل، فإن لودريان يحط في بيروت اليوم بدعم روسي أميركي فاتيكاني، إذ إن زيارته منسقة مع الدول الثلاث. فاتصالات الفاتيكان مع المسؤولين الفرنسيين لم تتوقف. ونائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي التقى المستشار الرئاسي الفرنسي باتريك دوريل على تواصل دائم معه. وفضلاً عن التنسيق الدائم بين باريس وواشنطن على مستوى الديبلوماسيين وصدور بيانين بالدعوة إلى تسريع تأليف الحكومة عن لودريان ونظيره الأميركي أنتوني بلينكن منذ تسلم الأخير خارجية بلاده مطلع السنة، فإن لقاءهما أمس في لندن على هامش اجتماع وزراء خارجية الدول الصناعية السبع، لا بد أن يكون تطرق إلى مهمة لودريان في بيروت.
تتأرجح زيارة لودريان بين احتمالين، الأول أن يقود الزخم الروسي الأميركي الفاتيكاني الذي يصاحبه إلى ضغوط فاعلة لإنتاج الحكومة. فالتلويح بالعقوبات الفرنسية قد يكون مقدمة على رغم أن باسيل أكد للجانب الروسي أنه لن يعدل موقفه بسببها.
الاحتمال الثاني فشل لودريان في الحصول على تنازل فعلي لمصلحة حكومة اختصاصيين غير حزبيين برئاسة الحريري، من دون ثلث معطل مواربة، واتجاه باريس إلى مساواة الحريري بالفريق الرئاسي في عرقلة الحكومة، وطرح مسألة اعتذار الأخير عن عدم الاستمرار في تأليف الحكومة في هذه الحال. وبات معروفاً أن المحاولة الفرنسية التي استندت إلى اقتناع بأن سبب الأزمة رفض الحريري لقاء باسيل، لجمعهما في باريس، لم تلقَ تجاوباً من الأول، خلقت جفاء بين الرئيس المكلف ومسؤولين فرنسيين. فحجته المعروفة أنه يشكل الحكومة مع الرئيس ميشال عون وباستطاعة باسيل طلب لقائه وزيارته إذا أراد في بيروت، ولا ضمانة بأن لقاءه يُنتج حكومة.
إعتذار الحريري إذا حصل ينقل الأزمة من مأزق الفراغ الحكومي إلى أزمة دستورية. يصبح الرئيس المكلف الثاني الذي يعتذر عن عدم الاستمرار في المهمة بعد السفير مصطفى أديب، نتيجة استعصاء تفاهمه مع الفريق الرئاسي. في ظل تأييد رؤساء الحكومات السابقين لرفض الحريري التنازلات التي يضغط الفريق الرئاسي للحصول عليها، أي مرشح للرئاسة الثالثة سيكون مقبولاً من الطائفة السنية ورموزها، وسط تجربة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب؟ وأي مرشح آخر لتأليف الحكومة سيقبل بالشروط التي رفضها الحريري للتأليف؟
رهان أوساط الفريق الرئاسي تراهن على أن يساعد تقارب سوري سعودي على التخلص من الحريري، فيما اعتذار الأخير يجعل الانسداد السياسي أكثر خطورة. وعندها قد يحتاج الأمر إلى ما يشبه اتفاق دوحة جديد، هذه المرة يرجح أن يفرض تغييراً في اتفاق الطائف.