IMLebanon

الحريري يرتّب الأولويات التخلي عن «الثقّالات» ومكافحة الارهاب

في العلن يقول الرئيس سعد الحريري لجمهوره إنه ذاهب لمقاتلة «الأمبراطورية الإيرانية»، فيما الأميركيون والأوروبيون عائدون من القتال! أما في السرّ، فهو يلاحظ متابعة أصدقائه الدبلوماسيين، بشغف، لانتصارات»جبهات قاسم سليماني». تؤكد حركته السياسية وكلام المقربين منه تقدمه، بخطوة أو أكثر، على حلفائه المفترضين في اتجاه حزب الله ومحاربة الإرهاب

لم يكد يذاع بيان عضو كتلة المستقبل النائب محمد كبارة، أمس، حتى بدأت تأتي أصداؤه من الجزائر والمغرب وجزر القمر! أذاعت مساجد العالم العربي «البيان الثوري»، واستبدلت مئات الخلايا اسم «عبد الله عزام» باسم «كتائب محمد كبارة»، وتحركت الجيوش الملكية والأميرية تلبية لدعوة النائب الطرابلسي إلى تحرير لبنان وسوريا والعراق واليمن من الاحتلال الإيراني. استغرب كبارة في بيانه كيف يعادي «كل العرب» الكيان الصهيوني لاحتلاله «بلداً عربياً واحداً»، فيما لا تعادي أي دولة عربية إيران، رغم «احتلالها» أربع دول.

لكن، بعيداً عن هذا الحدث المفصلي في حياة كبارة، ومعه العالمان العربي والإسلامي، يلاحظ من يلتقي بعض المسؤولين في تيار المستقبل أنهم في فضاء سياسي وأمني أبعد ما يكون عن عالمي كبارة والوزير أشرف ريفي. المقاربة الهادئة لغالبية الملفات، في صالونات المستقبل الجدية، توحي بملل من محاولات إشباع النزوات السياسية والمذهبية ببيانات شعبوية لا نفع منها.

ملل في المستقبل

من محاولات إشباع النزوات المذهبية ببيانات شعبوية

في حركة أمل وحزب الله والمردة والاشتراكي والتيار الوطني الحر والقوات، وغيرها من الأحزاب، تختزل شخصية واحدة الحزب كله. أما في تيار المستقبل، فهناك:

ــــ رئيس كتلة المستقبل فؤاد السنيورة الذي يتصرف كمرجعية قائمة في ذاتها، لديه ثروته وفريقه السياسي والاقتصادي وعلاقاته الداخلية والخارجية ومرشحه إلى الانتخابات الرئاسية.

ــــ مجموعة نواب «يتفرعنون» في مناطقهم، باستقلالية تنظيمية ومالية واضحة، مثل خالد ضاهر ومحمد كبارة وقاسم عبد العزيز وفريد مكاري وبطرس حرب وميشال فرعون وغيرهم. استخدم هؤلاء الموجة الحريرية للحفاظ على مكاسبهم، واستخدموا قبلها الموجة السورية وغيرها.

ــــ النائبة بهية الحريري التي تسعى إلى الحفاظ على نفوذها في صيدا أمام السلفيين والمجموعات التكفيرية والجماعة الإسلامية ورئيس المجلس البلدي والسنيورة وآخرين يلعبون في ملعبها، فيما يحظى نجلها نادر بالدور المستقبليّ السياسي الأول، ويمسك شقيقه أحمد، المنسق العام للتيار، بالنواة التنظيمية الصغيرة في كل المناطق ومعظم القطاعات.

ــــ مجموعة رجال أعمال، مثل رئيس مجلس إدارة «سوليدير» ناصر الشماع ورئيس مجلس إدارة شركة «سوكلين» ميسرة سكر ورئيس غرفة التجارة والصناعة في بيروت محمد شقير، وعدة مقاولين ومصرفيين، ممن باتوا يتصرفون بشبه استقلالية عن تيار المستقبل، بعدما أقنعتهم تجربة الأعوام الثلاثة الماضية بقدرتهم على الاستغناء عن آل الحريري.

ــــ مجموعة موظفين في الفئتين الأولى والثانية ممن يتعايشون مع الأوضاع المستجدة منذ أكثر من ثلاث سنوات في وزاراتهم. كثيرون من موظفي وزارة المال، مثلاً، ممن كانوا يقولون إن «لحم أكتافهم» من «خير السنيورة» باتوا يديرون الأذن الطرشاء لطلباته.

ــــ وأخيراً، هناك وزيران، أو أكثر، يتصرفان كأنهما أكبر من التيار، فكرياً في حالة الوزير نهاد المشنوق وشعبياً في حالة ريفي. علماً بأن الأول أكثر واقعية مما يتخيله كثيرون، وهو يدرك أنه وزير، لأن الحريري أراد توزيره، وليس بقوّته الشخصية أو لأن أحداً آخر أراد ذلك.

ولا شك في أن الملف الاقتصادي الذي استشعرت قيادة المستقبل أنه بدأ يُسحب من تحتها، سواء عبر تجزئة بعض الملفات أو تحرّر رجال الأعمال من القبضة الحريرية، يمثل إحدى أبرز القضايا الضاغطة على التيار الأزرق. علماً أن المشنوق بادر إلى توفير بعض مقوّمات الصمود المالي للتيار عبر تلزيم عدة مشاريع كبيرة لرجال أعمال يثق الرئيس الحريري بهم. أما الوزراء والمسؤولون الآخرون المحسوبون على المستقبل، فلا يفكرون إلا بأنفسهم. وهناك اليوم، في بعض الصالونات الحريرية، كلام واضح عن وجوب إعادة السيطرة على هذا كله، والتخلي عمن يثقلون كاهل الحريرية باتهامات كثيرة بعدما باتوا يفيدون أنفسهم أكثر بكثير من إفادتهم لتيار المستقبل.

من جهة أخرى، وخلافاً لما يشاع عن تلزيم الحريري ملف الإفتاء للسنيورة، يؤكد المطلعون أن هذا الملف هو الأهم للتيار اليوم. ففي موازاة السنيورة، يهتم الحريري بمختلف تفاصيله ويواكبها، مباشرة أو عبر أحد مستشاريه، مع مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان. وهو يأمل تفعيل دار الفتوى والمؤسسات التابعة لها على نحو غير مسبوق خلال الأشهر القليلة المقبلة، وتغيير طبيعة نشاطاتها التقليدية في المناطق، وتوفير دعم مالي مدروس لها لتؤدي دوراً أكبر بكثير في مواجهة المجموعات السلفية والتكفيرية، مع تأكيد مصادر حريرية مطلعة على تغطية تيار المستقبل لقرار إقفال المدارس الدينية غير المرخصة أو غير الملتزمة بشروط ترخيصها، الذي يفترض أن يتخذ خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

بالانتقال إلى الملفات السياسية، تختلف مقاربة المستقبل غير المعلنة للاستحقاق الرئاسي عما هو معلن. يقولون، بصراحة، إن طرفي الصراع المحلي، لا قوى 8 آذار فقط، لا يزالان يتلطيان خلف ترشيح العماد ميشال عون لتأجيل انتخاب الرئيس. قوى 8 آذار لم تطرح الانتقال من تبني عون إلى مرحلة البحث في أسماء أخرى، وتيار المستقبل لم يدعُ حلفاءه إلى الانتقال من «انتظار التوافق المسيحي» إلى مرحلة أخرى تعرض فيها أسماء توافقية مثلاً، أو يبدأ فيها البحث الجدي بتقاسم السلطة للسنوات الست المقبلة. ويشير أحد النواب الحريريين، بمعزل عن المزايدات السياسية وتحميل عون وحزب الله وإيران مسؤولية عدم انتخاب رئيس، إلى أن التوافق المسيحي – المسيحي قادر على الدفع في اتجاه تسوية محلية. أما انتظار التسوية الإقليمية، فيعني بقاء لبنان عدة أشهر إضافية من دون رئيس. وخلافاً لما يشيعه البعض عن تسوية تلوح في الأفق، خلال شهر أو شهرين، تكاد تجمع مصادر المستقبل على عدم وجود ملامح حلول قريبة: رغم التقدم في الملف النووي، لم يتقرر بعد جلوس الإيرانيين والسعوديين على طاولة واحدة. وحين يجلسان لن يكون لبنان أول ملفاتهم، بل آخرها. وبناءً عليه سيسعى كل فريق إلى تعويض خسائره في الملفات السابقة بانتصار في الملف اللبناني. ولا تغيب عن حسابات المستقبليين معرفتهم بأنهم يقدمون لحزب الله في الأمن والخطاب السياسي، على نحو شبه مجاني، ما كانوا يأملون مقايضته بمكتسبات مهمة. ولا شك أن خسارتهم ما كان يوصف بأوراق القوة والضغط الآن ستكون له نتيجته السلبية على موقعهم التفاوضي لاحقاً، ما لم يأخذ خصمهم في الحسبان ما يقدمونه له اليوم، ويدفع بالتالي متأخراته. وتبرز في سياق حديث أحد الحريريين إشارة لافتة إلى تفضيلهم الانفتاح في هذه المرحلة على مختلف اللاعبين من دون استثناء، أياً كان حجمهم، بعدما خسروا كثيرين بالمفرق ولأسباب مختلفة. فهم لاحظوا، مثلاً، أن حزب الله لا يقطع مع الرئيس أمين الجميّل، رغم الانسداد الواضح لأفق علاقتهما، ويسعى إلى استيعاب كل من يطرق بابه من دون استثناء، ويحافظ على مجموعته بدل أن يخسر نائباً سابقاً هنا أو وزيراً سابقاً أو إعلامياً أو مجرد صديق هنالك.

في موازاة هذا كله، ليس أمام نواب المستقبل خيارات كثيرة. عليهم الاكتفاء بخطاب سياسي متواضع ينتقدون فيه تدخل حزب الله العسكري في سوريا وتعطيله الاستحقاق الرئاسي، ووعد المناصرين بالذهاب إلى مقاتلة الإيرانيين الآن، فيما الأميركيون والأوروبيون عائدين. وعلى أية حال، تبقى «خربشات» كبارة أهون بكثير من «فييتنام الشرق الأوسط» بالنسبة إلى «الإمبراطورية الإيرانية» التي يبشر النائب مروان حمادة بأفولها، في وقت يطلق فيه محاصروها يدها اقتصادياً.