شكّلت جلسات الاستماع الى النائب مروان حماده بصفته شاهدا في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري محطة مهمة على طريق الاحاطة بمجمل صورة القضية. فقد حاول المدعي العام غرايم كامرون من خلال اطلاق مجموعة شهادات سياسية ان يعود بالقضية الى جذورها الحقيقية التي تتجاوز الفعل الإجرامي المجرد الى الاساس السياسي الذي يرسم بدقة ظروف اغتيال الحريري في ظل معركة كبيرة وضعته في صدام مباشر مع النظام السوري وبشار الاسد بالتحديد. ولعل العودة الى الظروف التي احاطت بالجريمة مكّنت الادعاء العام من فهم اسباب وقوع الجريمة، بتجاوزها الفعل من الناحية التقنية البحتة. فالمتهمون الاربعة وفي مقدمهم مصطفى بدر الدين اقرب المقربين الى السيد حسن نصرالله ومعاون القائد العسكري الراحل لـ”حزب الله” عماد مغنية لا يمكن تصنيفهم بحسب التعبير الدارج على انهم “ذئاب معزولة”، اقترفوا جريمة اغتيال رجل بقامة رفيق الحريري، وبوسائل امنية ولوجستية كبيرة.
واذا كانت المحكمة اعلنت صراحة انها ستوجه الاتهام الى افراد وليس الى جماعات ودول وتنظيمات، فإن مجرد استدعاء مروان حماده ولاحقا الرئيس فؤاد السنيورة ورئيس”اللقاء الديموقراطي” وليد جنبلاط وغيرهم ممن عايشوا الحريري في مرحلة الصدام مع بشار الاسد معناه ان المدعي العام ومعه هيئة المحكمة يعتبرون ان جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري لا يمكن حصرها بالجانب التقني بل ان الاحاطة بها يحتاج الى التعمق في الظروف السياسية التي ادت بجهة معينة الى اتخاذ قرار بشطبه جسديا.
لم يقتل الحريري لأسباب شخصية. ولم يكن للمتهمين الاربعة وآخرين قاموا بالتنفيذ اي دوافع شخصية لقتل رجل بحجم رفيق الحريري. والحال ان شطب شخصية بهذا الحجم كان قرارا كبيرا اتخذ في عاصمة او اكثر. لم تكن جريمة محلية الصنع، بل جريمة ارهابية اتفق المجتمع الدولي بنصابه الكامل على انها ارهابية بامتياز، مما استدعى تشكيل محكمة دولية (مختلطة) للمرة الاولى في تاريخ المحاكم الدولية من اجل محاكمة قتلة شخصية سياسية واحدة.
لو لم يكن المجتمع الدولي بنصابه الكامل (مع روسيا والصين) على يقين ان اغتيال الحريري كان عملا ارهابيا اكبر من لبنان نفسه لما صوّت أركانه على قرار تشكيل المحكمة تحت الفصل السابع.
في لاهاي كان لبنان على موعد مع رواية رسمت مشهد المعركة السياسية كما حصلت بين الرئيس رفيق الحريري والنظام السوري في السنوات والاشهر التي سبقت اغتياله. لم يكن الصراع مع الوصاية السورية وحلفائها تفصيلا عاديا في ضوء ما شهده لبنان من اغتيالات واجتياحات وغزوات سورية – لبنانية مشتركة. من هنا السؤال المشروع: هل كان المتهمون مجرد ادوات منفّذة للنظام السوري وحده، ام انهم عملوا في اطار غرفة عمليات مشتركة بين “حزب الله” والمخابرات السورية؟