Site icon IMLebanon

الحريري يَستلهم تجربة الأب… في وجه الباسيليّة

 

نصيحة فرنسية بالإعتذار سبقت إعلانه

 

غريبة هي العلاقة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري ويبدو انها حمل أكثر مما تطيق إرث الماضي البعيد منه في زمن الحريري الأب، والآخر القريب مع الإبن.

العلاقة بين عون والرئيس الراحل رفيق الحريري تعود الى زمن طويل وقد كان الثاني ضليعا في السياسة اللبنانية ومحاولات حلّها منذ ثمانينيات القرن الماضي وعرفه العماد عون خلال توسط الحريري على خط الافرقاء المتناحرين عند محاولة التوصل الى تسوية للحرب الاهلية خلال زمن عون قائدا للجيش اللبناني، الامر الذي لم يثمر مع إسقاط ما سُمي حينها بالاتفاق الثلاثي العام 1986.

 

في ذلك الحين، وفي ظل محاولات حثيثة للحل كان للحريري دوره فيها، لم يكن عون متحمسا لتلك التسوية وصولا الى رفضه ترتيبات الحريري للتوصل الى اتفاق الطائف االذي عارضه عون بشراسة.

 

كانت للعماد اسبابه لرفض الطائف واتهام الحريري بصياغة حل سياسي تسوويّ لحرب التحرير التي اعلنها عون في العام 1989 وخرج منها خاسراً بعدها، ومنذ ذلك الحين استمر العونيون في تحميل الحريري، ليس وحده طبعا، مسؤولية ابعادهم عن السياسة وضرب قائدهم.

 

في النصف الثاني من التسعينيات بدأ الحريري في الانفتاح على القوى المعارضة للوجود السوري في لبنان. لم يكن ذلك مقتصرا على الحالة العونية التي انتظمت في اطار «التيار الوطني الحر»، بل شمل افرقاء مسيحيين آخرين ابرزهم «القوات اللبنانية» والرئيس أمين الجميل الذي عاد الى البلاد في العام 2000.

 

إحتفظ عون بخطاب عالي النبرة تجاه الحريري في اطار معركته ضد الطبقة الحاكمة في اكملها. وبعد تفاهم سبق اغتيال الحريري بأسابيع، عاد عون الى البلاد وسط زخم شعبي تربع عبره على رأس الجمهور المسيحي.

 

وساء عون كثيرا قيام التحالف الرباعي بين الحريري الإبن والزعيم الإشتراكي وليد جنبلاط وحركة «امل» و«حزب الله». ويبدو ان التسونامي الذي تحدث عنه حينها جنبلاط فور عودة عون من المنفى في ذلك العام، قد تحقق فعلا.

 

تلا ذلك تفاهم مار مخايل بين «التيار الوطني الحر» و»حزب الله»، ويردد «مستقبليون» ان عون كان مستعدا لإجراء حلف مماثل مع الحريري لو قبل الاخير التعهد بإيصاله الى رئاسة الجمهورية، وكان ذلك سابقا لوثيقة مار مخايل مع الحزب.

 

ومع كل يوم جديد ترسخ التباعد بين عون والحريري، في ظل مسعى لم يتزعزع يوما للأول للحلول رئيسا للجمهورية وهو ما تحقق في العام 2016.

 

على ان وصول عون رئيسا لا يُعاد الى عامل واحد. فقد نجح «حزب الله» في منع منافسة عون على الرئاسة حتى من قبل الحليف القريب سليمان فرنجية. كما ان الخصم اللدود والعدو القديم سمير جعجع عبّد للعماد الطريق نحو معشوقته الرئاسية، لكن موقف الحريري نفسه فعل في انتقال عون الى بعبدا وهو سبح عكس التيار وسط رفض غالب السنّة في لبنان لوصول عون.

 

هنا بالذات يتوقف الحريري طويلا عند اتهامه بنكران الجميل بعد دعم الرئيس عون له بعد تقديم الحريري لاستقالته من السعودية وما شابها. لكن الامر كان ابعد من ذلك. فقد اقتضت التسوية بين وعون والحريري، قيام حلف بين الرجلين في الرئاستين الاولى والثالثة ومعهما تقاسم السلطة ومآثرها حيث يمكن.

 

على ان الامر بالنسبة الى العونيين لا يقتصر على ذلك. هم يضيفون بندا مستترا لما عرف بالتسوية الرئاسية: وراثة رئيس «التيار الوطني الحر» الجديد جبران باسيل موقع الرئيس عون في تلك التسوية. أي بمعنى آخر فإن بقاء الحريري رئيسا للحكومة شرطه انتقالها الى باسيل الذي يتربع على الكتلة المسيحية الاكبر في مجلس النواب.

 

لم يكن عون او الحريري او باسيل قد حسبوا وقوع حدث 17 تشرين الاول 2019.

 

مثّل ذلك زلزالا شعبيا كانت ارهاصاته قد بدأت في انتفاضة النفايات العام 2015. بدا الامر ضخما على الحريري الذي لم يشأ تحمل وزره او هو اراد الاستجابة لإرادة المنتفضين كما يحب مريدوه التأكيد.

 

مثّلت استقالة الحريري حينها من الحكومة بداية الشرخ الذي لا يزال قائما بين العهد والحريري والذي يكبر يوما بعد الآخر. فبالنسبة الى العهد ومعه «حزب الله» وحتى الرئيس نبيه بري، أتت استقالة الحريري لتوجه ضربة لهم خاصة وان الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله كان اعلن جهارا معارضته لإسقاط الحكومة في الشارع وهذا كان حال الرئيس نبيه بري.

 

هل يعود زعيم «المستقبل» أقوى؟

 

.. مع الوقت تكرس التباعد بين الحريري والعهد، خصوصا مع لجوء الحريري الى استبعاد باسيل من الحكومة خلال كل مفاوضات التشكيل سواء التالية لانتفاضة 17 تشرين او تلك التي قام بها مؤخرا. والواقع ان باسيل سلّم بالخروج من الحكم، لكنه زاد تصميما بعد وقوعه تحت نير العقوبات الاميركية وبات الصراع على الحكم والرئاسة المستقبلية صراع وجود له كما لعون.

 

ومن ناحية الحريري، فيبدو أنه كان منذ فترة طويلة يشتري الوقت ويستعطف جمهوره ويستعد للحظة التي سوف يغادر فيها الحكم. هو يستلهم من تجربة والده مع حكم الرئيس إميل لحود حين عاد في العام 2000 مع حلفائه بقوة عبر الانتخابات النيابية. ولم يُقدر له ان يعيد الكرّة في العام 2005 مع اغتياله، لكن الحريري الإبن يحضر لهذه اللحظة بتصميم.

 

وفي كلامه الأخير بعد اعتذاره ما يعزز وجهة النظر القائلة بأن الانتخابات النيابية المقررة بعد اقل من عام ستجرى بضغط دولي، ما يسمح للحريري حتى ذلك الحين باستعادة قدر الامكان للشرائح التي فقدها منذ سنوات، والتي عززها تاريخ 17 تشرين الاول 2019 وما بعده من ازمات كارثية تحملت الحريرية جزءا وازنا فيها.

 

في هذا الحين المرتقب، سيكون الحريري قد تخلص من تحمل وزر قرارات غير شعبية قد تتخذها حكومة مشكلة مستقبلا او حتى حكومة تصريف الاعمال الحالية. والرجل بعد تلقيه نصيحة فرنسية بالاقدام على الاعتذار لتحريك المياه الراكدة حكوميا، يعول على فك العقدة السعودية والحلول على رأس الحكومة في زمن أفضل من الحالي بعد تشكيل جبهة ستحيط به اضافة الى شد عصبه السني الذي سيشتد في وجه مظلومية سيبقى رافعا لواءها.. حتى بعد عودته المُحتملة التي ينتظرها محبوه، هذه المرة في وجه الباسيليّة وسط ظروف أصعب بكثير.