Site icon IMLebanon

الحريري – باسيل: معيار 2016 أو لا حكومة

 

 

بعد السجال المتبادل بينه ورئيس الجمهورية ميشال عون قبل أسبوعين، أتى السجال الأحدث مع النائب جبران باسيل، مباشرة وبالواسطة، كي ينبئ بتعذّر تمكّن الرئيس المكلف سعد الحريري من تأليف حكومته في مدى قريب

 

على التوالي أبرزت مواقف الرئيس المكلف سعد الحريري في 14 شباط، ثم رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في 21 شباط، أن من الصعوبة بمكان توقّع إبصار حكومة على النحو الذي يتصوّره كل منهما لها. ليس اشتباكهما الاخير الا صورة مكمّلة لذاك الدائر في قصر بعبدا بين رئيس الجمهورية ميشال عون والحريري على المادتين 53 و64 من الدستور، والنطاق المحدد لكليهما في مراحل تأليف الحكومة. الواضح ان الاشتباكين المتوازيين، الدستوري والسياسي، لا يقتصران على تأليف حكومة اختصاصيين لمهمة محددة في ستة اشهر كما يقول الرئيس المكلف، بل يتجاوزانها الى سبل ادارة السنتين الاخيرتين من العهد، بل على النحو ادق، الى المرحلة التالية لانتهاء الولاية كي يكونا الحاضرين الفعليين على ارضها. وقد يحمل هذا التوقّع البعض على القول ان الاشتباك الدستوري واجهة للاشتباك السياسي ليس الا.

 

الاهم المعلوم في ذلك، الذي لا يقتصر على عون وباسيل، ان لا يسمح للحريري بأن يكون «السياسي» الوحيد في حكومة اختصاصيين في الحقبة الغامضة المقبلة.

ليس خافياً أن كلاً من الحريري وباسيل يعوّل على ظهير داخلي حديدي يدعمه في المواجهة قبالة الآخر. المفارقة الاولى ان هذا الظهير هو الثنائي الشيعي: الرئيس نبيه برّي ظهير الرئيس المكلف، وحزب الله ظهير رئيس التيار الوطني الحر. بذلك تنشأ مفارقة ثانية هي ان الثنائي يدير توازن الصراع القائم ما بين الرجلين دونما تغليب احدهما على الآخر، ودونما ان يتسبب هذا «التواطؤ» الشيعي، الايجابي في ظاهره، في خلاف ما بين برّي والحزب. وفّرا المساكنة ما بين الطرفين، وتركا للاشتباك الدستوري إمرار الوقت. فيما عُدّت مبادرة رئيس البرلمان أنها تضمر تأييداً للحريري، بَانَ وقوف الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله في كلمته الاخيرة الى جانب رئيس الجمهورية.

مع أنه مصر على تأليف حكومته كما يتصوّرها هو وبشروطه، لا يُحسد الرئيس المكلف على ما هو عليه الآن، من غير أن يُعدّ مهزوماً بعد في معركة قد تكون طويلة. منذ تكليفه يكون انقضى حتى أمس اربعة اشهر. مدة اعتاد الحريري أرقاماً مشابهة لها. حكومته الاولى (2009) احتاجت الى 135 يوماً، والثانية (2016) الى 45 يوماً، والثالثة (2019) الى ثمانية اشهر وستة ايام. ومن غير المستبعد ان تسجل رابعة حكوماته الرقم القياسي في ظل العناد المتبادل على شروطه، كما شروط رئيس الجمهورية ورئيس التيار الوطني الحر.

في ظاهر ما يحدث الآن أن الخلاف الناشب هو على التوزير المسيحي، مع ما يتفرّع منه، المرتبط بحصتي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ومَن يسمّي الوزراء المسيحيين ومَن يوافق او لا يوافق، وتوزّعهما الحقائب. أفصح رئيس الجمهورية عن المشكلة بداية، ثم جهر بها ضمناً الحريري في خطاب 14 شباط، قبل أن ينضم الى الحملة باسيل في 21 شباط تحت عنوان عريض، ربما لم يكن يحتاج الى مثل هذا الاتساع، هو حقوق المسيحيين.

منذ مطلع العهد، في الحكومتين الاوليين اللتين ترأسهما الحريري، كان هذا الموضوع في صلب خلافه مع باسيل من غير ان يطفو الى السطح، بعدما حجبته التسوية الرئاسية التي أبرماها.

في حكومة 2016، لم يسع الحريري الحصول على وزير مسيحي ثان (غطاس خوري بعد جان اوغاسبيان) الا بعد تخليه عن مقعد سنّي انتقل الى التيار الوطني الحر (طارق الخطيب). حينذاك توزّعت المقاعد المسيحية الـ13 الاخرى على التيار الوطني الحر (9 وزراء) وحزب القوات اللبنانية (3 وزراء) والمردة (وزير واحد). في الحكومة الثانية عام 2019 حصل التيار على الحصة الكبرى (9 وزراء) وتقاسم الافرقاء المسيحيون التوزير المسيحي المتبقي (4 وزراء لحزب القوات اللبنانية ووزير للمردة). اما المقعد الاخير، وكان ارثوذكسياً حلت فيه فيوليت خير الله، فكانت له قصة: طلب الحريري مقعداً مسيحياً في مقابل تنازله عن مقعد سنّي ذهب الى حسن مراد ممثل اللقاء التشاوري السنّي المناوئ لرئيس تيار المستقبل. على صورة ما حدث في مقايضة 2016، دار التفاوض: مقعد في مقابل آخر. إصرار الحريري على خير الله وزيرة مسيحية يعوّض ما خسره – وكان هذا الذي خسره حتمياً تحت وطأة ضغوط حزب الله الداعم للقاء التشاوري – حتّم عقد اجتماع بينه وباسيل في حضور المرشحة للتوزير وزوجها الوزير السابق محمد الصفدي انتهى الى اتفاق مفاده الآتي: توزَّر خير الله في حصة الرئيس المكلف في مقعد ارثوذكسي على ان تُحسَب في الوقت نفسه في حصة التيار الوطني الحر، بما يعني انها تمثل تقاطعاً ما بين الاثنين. في حال نشوء خلاف في مجلس الوزراء ما بين كتلتي المستقبل والتيار الوطني الحر – وتعهد الحريري وباسيل أن لا يختلفا – تصوِّت الى جانب الثاني. لذا قيل حينذاك إن كتلة باسيل في حكومة الحريري ضمّت اكثر من الثلث+1. عُدّت مؤلفة من 11 وزيراً و1/2: 9 وزراء مسيحيين لباسيل + مراد + صالح غريب + خير الله. أما المقاعد المسيحية الخمسة الاخرى فذهبت الى حزب القوات اللبنانية (4 وزراء) والمردة (وزير واحد).

في ما جرى ابان تأليف حكومة 2019، تساءل الحريري في مفاوضاته مع حليفه اللدود وقتذاك باسيل: أنا رئيس حكومة لبنان، ألا يسعني تسمية وزير مسيحي واحد؟ كان والدي يسمّي اكثر من وزير مسيحي.

أجيب: بلى، في مقابل التخلي عن مقعد سنّي.

احتج ايضاً على حصول حزب القوات اللبنانية على اربعة وزراء، فيما يُحرَم هو من وزير مسيحي مجاناً.

صحّت الوقائع تلك في خلال تأليف حكومة وحدة وطنية، تشارك فيها الكتل النيابية تبعاً لأحجامها. وهو ما حدث مع حكومتي 2016 و2019. على ان ما يستعيدها الآن، اعتقاد رئيس الجمهورية، كما رئيس التيار الوطني الحر، أن ثمة قاعدة ثُبّتت في مطلع العهد، متجاوزة سلفاً أحجام الحكومات التالية في العهد الذي سيرافقه طوال مدته الحريري كما أرست التسوية الرئاسية. قالت القاعدة تلك، وطُبّقت بانتظام في الحكومتين الاوليين بموافقة الحريري رئيسهما ورضاه بدليل إبصارهما النور تبعاً للمتفق عليه: يُسمّي المسيحيون وزراءهم مثلما يُسمّي الافرقاء الآخرون وزراءهم وفق الاحجام السياسية القائمة، مع تأكيد حصة رئيس الجمهورية.

 

حكومة ما تبقى من العهد لا حكومة اختصاصيين

 

 

في ظل حكومة اختصاصيين على نحو ما يدور الآن، لم يتغيّر سوى القليل مع ثبات القاعدة في حسبان رئيس الجمهورية على الاقل: ما دام حزبا الكتائب والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والمسيحيون المستقلون لن يتمثلوا في حكومة اختصاصيين، لرئيس الجمهورية – صاحب التوقيع الدستوري الاخير – أن يسمّي وزراء الطائفة، الى الحصة المعروفة المحددة للمردة. في اجتماعاته مع عون، حمل الحريري لوائح في الحصة المسيحية التي يريدها لنفسه كونه هو الذي يؤلف حكومة اختصاصيين لا مكان فيها لوزراء حزبيين او سياسيين: مرة يريد خمسة وزراء – اكثر من نصف الحصة – ومرة يريد الوزراء التسعة جميعهم، ومرة هو الذي يسمّي لرئيس الجمهورية وزراءه.

يحدث ذلك كله بعد حصول الخلل الاول والاهم والأفظع في المبادرة الفرنسية، اذ يجرّدها من مغزاها الفعلي: حكومة اختصاصيين يترأسها غير اختصاصي بشهادة التدهور المريع في شركاته ونجاحاته الاقتصادية والمالية، ورئيس حزب هو ايضاً رئيس كتلة نيابية كبيرة وأحد الذين اشترط الرئيس ايمانويل ماكرون إبعادهم عنها، ومسؤول كبير هو ونظراؤه – وماضي المدرسة التي يتسلح بها – في مقاعد الصف الاول المتهمون بانهيار الدولة وتفشّي الفساد فيها وتخريبها وإفلاسها.