ما بين اللقاء الأخير الذي عقد في تموز الماضي بين رئيس الحكومة سعد الحريري ورئيس “التيار الوطني الحر” وزير الخارجية جبران باسيل ولقاء الأمس، قاسمان مشتركان، “تأكيد عدم وجود أجواء سلبية، وتعزيز أسس التسوية بين الطرفين”. في كل مرة يلتقي فيها عرّابا التسوية يؤكدان على ايجابية العلاقة بينهما، وتكون قد سبقت اللقاء اجواء شحن وتوتر وتبادل اتهامات، يعقبها لقاء غسل قلوب.
لا يختلف لقاء الأمس عما سبقه. إفترقا فترة أسبوعين كان يفترض أن يعود بعدها وزير الخارجية من جولته ليلتقي “تيار المستقبل” ضمن حلقة نقاش صريحة. ارجأ الحريري اللقاء وحفل الاسبوعان بتطورات مالية واقتصادية ترددت اصداؤها في الشارع. وعلى وقع سلبية العلاقة، لا انقطاعها، عقد اللقاء الجديد وعاد الطرفان يؤكدان المؤكد ويكرّران المعزوفة نفسها: “اللقاء كان مثمراً والجو اكثر من ممتاز”.
ولكن بعيداً من الاعلان الرسمي أو ما أفصحت عنه أجواء الطرفين من إيجابية، شهد اللقاء صولات وجولات مكاشفة سياسية ومالية واصلاحية.
لم يكن قصد الزيارة من جهة رئيس “التيار الوطني”، “لا عتب ولا معاتبة ولا تبويس لحى، كان البحث مباشراً وطرحت خلال اللقاء كل المواضيع بصراحة وشفافية من الناحية السياسية ومن ناحية المشاريع التي أرجئ البت بها من جبل لبنان الشمالي إلى غيرها، وما شهده الاسبوعان المنصرمان من استفحال للأزمة من باب استيراد النفط وشح الدولار والبلبلة التي شهدها السوق اللبناني، ليكون السؤال الملح هنا عن خريطة الطريق لكل ما تقدم؟”.
التسوية قائمة
“أخذ اللقاء مداه” بين رئيس الحكومة ورئيس “التيار”، حققا أول أهدافهما بقطع الشك باليقين أن الأسس التي قامت عليها التسوية لا تزال قائمة وأن الخلاف في الرأي لا يفسد في الودّ قضية حتى ولو صدرت مواقف عالية السقف “لا نحن تراجعنا عن موقفنا النقدي حول مسؤولية الماضي ولا جعلنا الماضي يعطل عملية التقارب في الحاضر والمستقبل”.
وإذا كان السؤال عن أسباب إلغاء لقاء باسيل مع “المستقبل” ضرورياً فإن “الأهم” بالنسبة إلى “التيار الوطني الحر” أن الجلسة لم تكن جلسة عتاب حول إلغاء اللقاء مع باسيل فهذه “المسألة يعالج الحريري نتائجها وحين يرتاح مع جمهوره يفعل ما يراه مناسباً”.
كان السجال السياسي حاضراً لتفتح بعده جلسة المكاشفة التي باشرها باسيل بالقول لرئيس الحكومة: “غبنا أسبوعين واستودعناك ورقة اصلاحية للموازنة كي لا يقال إننا تذكرنا طرحها في آخر دقيقة، قدمنا المطلوب مع بداية المناقشة وليس في نهايتها، وكانت تكملة لورقة بعبدا التي كنتم أنتم جزءاً منها في الأفكار التي تضمنتها واضافة اليها ورقة “القوات” وغيرها “للاشتراكي”، فأين نحن مما يجب علينا فعله؟”، فأجاب الحريري: “إننا نعمل ونكثف اجتماعات اللجنة الوزارية التي تتابع عملها” وكان نقاشاً مستفيضاً حول الأسباب والعوائق كل من جهته. وسواء من خلال اللقاء مع باسيل أو خارجه ثمة انطباع يستخلصه مقربون من رئيس الحكومة، الذي يبدو وكأنه “مربك أو أن خياراته محدودة لوجود ضغوطات من حوله خارجية وداخلية”.
الموازنة والاصلاحات… لا للفصل
كما أثيرت خلال اللقاء مسألة جوهرية يتخوف أن تتحول إلى نقطة خلاف سياسي في ضوء مناقشة الموازنة وهي رفض البعض ربط الموازنة بالاصلاحات، وهو ما التقى “الوطني الحر” و”القوات” على رفضه وما اعتبره باسيل خلال جلسته مع الحريري “خطاً أحمر”. فخلال جلسة الحكومة الاخيرة التقى وزير العمل كميل ابو سليمان مع موقف باسيل “أن لا موازنة من دون اصلاحات”. وعقب زيارته رئيس الجمهورية ميشال عون قال وزير الشؤون الاجتماعية ريشار قيومجيان أمس “سنضغط و”التيار الوطني الحر”، سنقابل أي موقف ايجابي بمثله وسنضغط نحن و”التيار” لتضمين الموازنة الاصلاحات اللازمة”.
تشرين مسار آخر
يعتبر باسيل أن “جزءاً من الموازنة هي الاصلاحات ولا يمكن تقديم موازنة لا تكون مقرونة بهذه الاصلاحات حتى ولو سلكت طريقها الى “سيدر”، هو الكلام نفسه الذي سيكرر قوله خلال لقاء مع وزير المال علي حسن خليل، وغيره من السياسيين المعنيين مباشرة بالوضعين المالي والاقتصادي”.
ويعتزم وزير الخارجية استكمال مشاوراته لتشمل كل مكونات الحكومة “والبحث في تفاصيل ما شهدته الايام الماضية من تطورات سلبية على المستوى المالي ومحاولة تصوير البعض للأمر وكأن العهد متهم في هذا الصدد”.
منذ عودته من جولته الأميركية والأوروبية، شارك باسيل في اجتماع مجلس الوزراء الذي شهد كلاماً استثنائياً لرئيس الجمهورية وبعدها مباشرة جمع أركان “التيار” وباشر مشاوراته ضمن لقاءات، منها المعلن ومنها غير المعلن لوضع خريطة طريق قبل نهاية الشهر واقرار موازنة اصلاحية تتضمن كيفية الاستفادة من المرافق الحيوية في البلد، وحقيقة قضية المعابر وموضوع الاتصالات وأين يمكن التقشف وتخفيض النفقات، وإمكانية اقرار خطة الكهرباء التي من شأنها أن توفّر على الخزينة ملياري دولار، “يمكن بعدها وفي ضوء تأمين التيار 24 ساعة أن نبحث بزيادة التعرفة”.
لـ”الوطني الحر” خريطة طريق والمطلوب من ناحيته ايجاد الآلية التنفيذية لورقة بعبدا التي “لن ندعها تموت ولن ندع البلد ينهار” وهنا على الجميع أن يتحمل المسؤولية “بمن فيهم الحلفاء وكل حسب مجالاته وسنكمل مع أفرقاء آخرين”.
يَعِد “الوطني الحر” بأن يشهد شهر تشرين “مساراً آخر ومختلفاً” يتمحور حول “تزخيم العمل الحكومي بهدف إنجاز موازنة العام 2020 على الأسس الإصلاحية المطلوبة ووضع خطة الكهرباء موضع التنفيذ”.