Site icon IMLebanon

الحريري باشرَ مفاوضة برّي: توازنات الحكومة هي الأهمّ

رغم الإشكالات والرسائل المختلفة التي حفلت بها جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، إلّا أنّها أنتجت تقليصَ المسافة الفاصلة بين الرئيس العماد ميشال عون والرئيس نبيه برّي، وهو ما ظهر واضحاً.

صحيح أنّ الشبهات تتركّز على برّي في العمل مع النائب وليد جنبلاط على رفع عدد الأوراق البِيض، بهدف حرمان عون من فوز ساحق من الدورة الأولى، إلّا أنّ ذلك بقيَ في إطار اللعبة الديموقراطية وحقّ مِن الحقوق السياسية للأطراف والأفرقاء.

فبرّي كان قد تلقّى قبل انعقاد الجلسة عروضاً عدة لتعطيلها، لكنّه رفضَها ووصَل ذلك إلى مسامع عون. وخلال الجلسة بدا برّي مستاءً من «الحرتقات» التي دفعَت به إلى إلغاء دورتين انتخابيّتين ملمِّحاً إلى أنّ في ذلك تسخيفاً لمجلس النواب بأجمعه ولدوره ومستواه.

لكنّ الأهمّ أنّ عون الذي جلس على مقعده يراقب تفاعلات مختلف القوى السياسية، ثمَّن لبرّي طريقة إدارته للجلسة وتعاطيه بمستوى برلماني ممتاز لا غبار عليه.

وبالتالي، فإنّ تلك الجلسة التي أفضَت إلى انتخاب عون رئيساً للجمهورية بـ 83 صوتاً، أدّت أيضاً إلى كسر بعض الجليد بين الرَجلين، لكنّ ذلك ليس كافياً للاعتقاد بأنّ الحرارة قد عادت بكاملها وأنّ تشكيل الحكومة سيكون سهلاً.

اليوم تنتهي الاستشارات الملزمة بتسمية الرئيس سعد الحريري لتشكيل الحكومة، ليباشرَ بعدها استشاراته للكتل النيابية حول رؤيتها ومطالبها للتشكيلة الوزارية المقبلة.

لكنّ الحقيقة أنّ التفاوض الفعلي والجدّي حول الحكومة كان قد بدأ فعلاً على مستويَين، الأوّل، وهو سبقَ وصول عون إلى قصر بعبدا، لا بل فَتح الطريق أمام وصوله إليه، الذي حصَل عبر الوزير جبران باسيل والسيّد نادر الحريري.

والثاني، بدأ منذ يومين بين بري والحريري عبر قناة فتِحت حديثاً من خلال الوزير علي حسن خليل ونادر الحريري. ولم يعُد سرّاً أنّ برّي سيفاوض باسمِ جميع المعارضين لخيار عون، أو بتعبيرٍ أدقّ، باسمِ «كتلة الأوراق البِيض»، ولكن والأهم متسلّحاً بدعم «حزب الله» الذي يربط قرارَه بالقرار الذي يتّخذه برّي من الحكومة. وبدا أنّ رئيس المجلس النيابي يقسّم مطالبَه إلى قسمين:

الأوّل، له علاقة بحصوله على تطمينات واضحة حول دوره مستقبلاً وطريقة التعاطي معه في الملفّات الأساسية التي ستُطرح والقرارات التي ستُتّخَذ. في اختصار يريد ضمانات حول موقعه من طريقة إدارة السلطة وعدم تجاوزِه، وهذا المطلب لا يبدو صعبَ التحقيق.

الثاني، له علاقة بتوزيع الحقائب والتوازنات داخل الحكومة، وهو المطلب الأهمّ والذي سيأخذ كثيراً من الجدل.

بالنسبة إلى توزيع الحقائب لا يبدو أنّ العقد مستعصية. فالحقائب السيادية الأربع جرى توزيعها بتفاهم الجميع: الداخلية لتيار «المستقبل»، المال لبرّي، والخارجية والدفاع لعون.

أمّا الحقائب الأخرى فلا تشكّل عقدةً مستعصية باستثناء حقيبة الطاقة التي ستَشهد نزاعاً قوياً ولو أنّها لن تؤدي في نهاية المطاف إلى فرطِ التفاهم الحكومي، بل يمكن تدوير الزوايا في شأنها. ويبقى الأهم التوازنات الداخلية لمجلس الوزراء، وهي المسألة التي ستَشهد حرباً حقيقية.

ويُقال إنّ أهمّ مرتكزات تفاهم الحريري مع عون هو إنهاء صيغة «الثلث المعطّل» خارج تكتّل «التغيير والإصلاح»، وإنّ الحريري يَقبل بالدور الجديد لعون كضامن للجميع، بما معناه أن يكون قصر بعبدا هو ضمان جميع الأفرقاء، «المستقبل» و»حزب الله» على حدّ سواء.

في المقابل، لا يبدو «حزب الله» معنياً بكلّ هذا اللغط، أو على الأقل هذا ما يعلِنه. هو يقول إنه ملتزم الوقوفَ خلف برّي لأسباب داخلية، وخصوصاً بالثنائي الشيعي، بعدما شهدت الساحة الشيعية مشكلات وحساسيات خطيرة إثر تمسّك الحزب بالتزاماته تجاه عون في رئاسة الجمهورية.

ولا يعترف برّي بسَعيه إلى «الثلث المعطل»، بل بالتزامه حلفاء وقوى سياسية لا يمكن تغييبها عن تشكيلة حكومية أريدَ لها أن تكون حكومة وحدة وطنية. وكيف لها أن تكون كذلك من دون أن تضمّ شخصيات وقوى مِثل فيصل كرامي والحزب «القومي» و»المردة» والكتائب وإلى ما هنالك. الواضح أنّ هذه المسألة ستأخذ الجانب الأساسي من النزاع الحكومي المحكوم بأن لا يطول زمنياً وفق ما يتمنّى عون.

في المقابل، تبدو «القوات اللبنانية» قلِقة من السعي لإدخال مزيد من الوجوه إلى التشكيلة الحكومية، كون ذلك سيؤدّي إلى تقليص حصّتها. فكلّما أدخِلت وجوه مسيحية جديدة، تناقصَت حصّة «القوات» الوزارية. فوفقَ تشكيلة حكومية من 24 وزيراً، فإنّ حصّة المسيحيين تصبح 12 وزيراً ومن دون حصّة رئيس الجمهورية تصبح عشرة وزراء.

ومع إدخال وزير محسوب على «المستقبل» ووزير لـ«القومي» وآخَر لـ«المردة» وربّما وزير لـ«الكتائب»، تصبح الحصة ستّة وزراء مناصفةً بين تكتّل «التغيير الإصلاح» و«القوات».

في هذا الوقت، وفي موازاة هذا النقاش الصاخب الذي سيَحصل، سيَعمد برّي إلى طرح قانون جديد للانتخابات على الكتل النيابية عمادُه النسبية، وهذا الطرح سيؤدي إلى حشر تيار «المستقبل» أكثر، والذي سيكون في عزّ مفاوضاته مع برّي حول توازنات الحكومة.

لكن الأكثر ترجيحاً أنّ أيّ قانون جديد لن يرى النور بسبب تضارُب وجهات النظر بين الكتل النيابية، ما يعني الإبقاء على القانون الحالي، لكن قبل ذلك هناك شَدُّ حبال حكومي سيكون قويّاً ويخفي كثيراً من الأوراق المستورة التي لا بدّ مِن التنبّه إليها.

والأهمّ، لا بدّ مِن الالتفات إلى الانتخابات الاميركية التي تتطاحَن فيها قوى داخلية كبرى، كان آخرها دخول الـ F.B.I على الخط. وللدلالة على خطورة المعركة فإنّ وزير الخزانة الاميركية جاك لو (Jack lew) زارَ إسرائيل منذ يومين، على رغم احتدام المعركة الرئاسية، والمهمّة المعلنة للزيارة متابَعة نتائج الاتفاق النووي مع إيران على المنطقة.

وعلى عكس الانطباع الأوّلي، فإنّ واشنطن تريد طمأنة إسرائيل اكثر حيال الاتفاق، مع التذكير بالمساعدة العسكرية الاميركية الضخمة للسنوات المقبلة والبالغة 38 مليار دولار. طبعاً الهدفُ هو ضمان تأييد أكبر للوبي اليهودي الأميركي في الانتخابات.

وبما أنّ النسَب متقاربة بين المرشّحين الاميركيين، فإنّ ذلك يعيد خَلط الأوراق. فوصولُ هيلاري كلينتون سيعني تحضيرَ طاولات المفاوضات ويكون لبنان قد خطا الخطوة الأولى في هذا الاتّجاه مع وصول عون إلى قصر بعبدا والتسوية التي واكبَت ذلك.

أو وصول دونالد ترامب مع ما يعني ذلك من إعادة خلطِ الأوراق والحديث عن مرحلة تصعيد جديدة في الشرق الأوسط لا بدّ للبنان إلّا أن يتأثّر بها. والحكومة التي من المفترض أن ترى النور بعد ظهور نتائج الانتخابات الاميركية لا بدّ من أن تتأثّر بذلك على الأقلّ لناحية توازناتها وعناوينها الإقليمية.