لم يكن الثنائي الشيعي عموماً، والرئيس نبيه بري خصوصاً، يتوقعان من الرئيس سعد الحريري ان يرد على الإيجابية حياله بطريقة أوحَت لمناصري عين التينة بأنّ الحريري يُبادل لبن العصفور بلسعة الدبور، على قاعدة انّ مصطفى (أديب) قبل أبو مصطفى (بري).
يشعر بري بأنّ الحريري خَذله، في واحدة من أدق اللحظات السياسية، إذ لم يكن مُستساغاً في عين التينة ان يشارك رئيس تيار «المستقبل» في محاولة انتزاع حقيبة المالية من الطائفة الشيعية وفرض أسماء وزرائها عليها، غداة العقوبات الأميركية الجديدة التي استهدفت في جوهرها بري تحديداً، عبر التصويب على معاونه السياسي الوزير علي حسن خليل.
كان بري ينتظر من الحريري سلوكاً آخر، يأخذ في الحسبان حساسية هذه المرحلة التي لا تتحمّل أي استثمار في العقوبات او المبادرة الفرنسية لتحقيق مكاسب داخلية، لكن ما حصل وفق انطباعات القريبين من عين التينة هو انّ الحريري بَدا كأنه يستقوي بالعصا الأميركية والضغط الفرنسي لإخراج بري ولَي ذراعه.
ويلفت المدافعون عن موقف عين التينة الى انّ بري تَصرّف بطريقة مغايرة تماماً عندما كان الحريري يمر في اختبارات صعبة، «إذ وقف الى جانبه وحاول بكل طاقته أن يساعده عندما تعرّض لأزمته الشهيرة في السعودية. يومها، كان بري يحضر أحد المؤتمرات في شرم الشيخ، فسارَع الى الاجتماع مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، متمنياً عليه توظيف علاقاته وتأثيره لإخراج الحريري من عنق زجاجة أزمته».
ويضيف هؤلاء: عند انطلاق انتفاضة 17 تشرين، تمسّك «الثنائي» وفي طليعته بري، بالحريري ودعاه الى الصمود وعدم الاستقالة بينما تركه بعض حلفائه ورمى بنفسه من مركب الحكومة، وحين استقال الحريري أصرّ الثنائي على عودته وكان المرشح الوحيد لبري الذي وصل في دلاله للحريري الى درجة انه أبدى الاستعداد ليجلب له لبن العصفور، بينما كان آخرون من حلفائه المفترضين ينكرونه قبل صياح ديك الاستشارات الملزمة في قصر بعبدا، ما دفع الحريري الى العزوف عن الترشّح، فانتقل «الثنائي» الى المطالبة بتكليف شخصية يسمّيها رئيس «المستقبل» لينتهي المخاض في نهاية المطاف إلى تكليف حسان دياب.
لم تكن تجربة التعايش ناجحة بين دياب وبري الذي بقي يتحيّن الفرصة المناسبة لتأمين عودة الحريري الى رئاسة الحكومة انطلاقاً من اقتناعه بأنه الخيار الأفضل لمواجهة المأزق الذي يواجه لبنان. وما ان سقطت حكومة دياب، حتى كرّر «الثنائي»، ولا سيما بري، ترشيحه للحريري، فلمّا امتنع مجدداً، أصَرّ تحالف حركة «أمل» و»حزب الله» على أن يقترح هو الاسماء البديلة التي كان من بينها السفير مصطفى أديب، فدعمه التحالف الشيعي من دون شروط مسبقة.
من هنا، وبعد كل هذه «السلف» السياسية الممنوحة الى بيت الوسط، خابَ أمل بري في الطريقة التي تعامل بها الحريري مع مرحلة التأليف، بينما كان يقتضي، في رأيه، ترجيح كفة تحصين التوازن الميثاقي ومنع الاحتقان المذهبي على أي كفة أخرى.
ويؤكد المطلعون على دوافع موقف بري انّ القصة لا تتعلق بحقيبة وزارية بالزائد او بالناقص، «وهو الذي سبق له أن قدّم تنازلات وتسهيلات من أجل تشكيل حكومات سابقة، وإنما المسألة تتصل بحماية الصيغة اللبنانية وتثبيت توازنات الطوائف في توقيت شديد الحساسية، خصوصاً عقب العقوبات الأميركية».
وإزاء السعي الى تغيير قواعد التأليف، هناك بين صقور 8 آذار من يعتبر انّ الثنائي الشيعي، وعلى الرغم من حنكته، لم يحسن الادارة السياسية للملف الحكومي منذ أن جرى دفع الرئيس حسان دياب إلى الاستقالة، من دون أن تكون النقلة التالية معروفة وواضحة.
وتلفت شخصية بارزة في 8 آذار الى انّ «سوء الإدارة هو الذي أوصل فريقنا الى مكان لا يحسد عليه»، مشددة على انه لم يكن جائزاً تجديد التسوية على أسس ملتوية.
وتتساءل تلك الشخصية: كيف يتم التسليم بأنّ نادي رؤساء الحكومات السابقين هو ممر إلزامي لتسمية الرئيس المكلف؟ وكيف يصح أيضاً التسليم بأنّ الحريري هو الممثل الوحيد للطائفة السنية خلافاً لنتائج الانتخابات النيابية؟
وتضيف: لقد دفعنا دياب إلى استقالة مجانية، من دون أن نملك مقاربة مسبقة للخطوة اللاحقة. وبالتالي، سلّمنا المبادرة ورقابنا الى الحريري ونادي رؤساء الحكومات السابقين، بينما كان بالإمكان ان نتحكّم بتوقيت الاستقالة وان نحصل على ثمن سياسي في مقابلها، بدل التفريط بهذه الورقة مجاناً، والمفارقة انّ الثنائي الشيعي الذي كان الأكثر تساهلاً مع الحريري يدفع الآن الكلفة الاكبر.
وتشير الشخصية ايّاها الى انّ «المأزق حالياً يتمثّل في انهم وضعونا بين حدّين، فإمّا أن نبصم ونقبل بحكومة الأمر الواقع من دون أن نتدخل في تشكيلها حتى لا ينهار الاقتصاد كلياً، وامّا أن نعارض هذه المعادلة فيحملوننا مسؤولية تفشيل المبادرة الفرنسية وحدوث الانهيار الشامل».
وضمن سياق متصل، عُلم انّ أحد رموز 8 آذار أبلغ إلى رئيس الجمهورية ميشال عون خلال «ملحق» المشاورات في اليومين الماضيين انّ «الشباب مستقويين بفرنسا ويريدون إطاحة الجميع، بينما المطلوب احترام دستور الطائف الذي يلزم الرئيس المكلف بالمرور في مصفاتين قبل إقرار التشكيلة الحكومية، وهما توقيع رئيس الجمهورية وثقة مجلس النواب. وبالتالي، فأنت لست صندوق بريد يا فخامة الرئيس».
وتوجّه زائر عون إليه متسائلاً: هل أنت راض عمّا يحصل؟ فأجابه: لو أنا راض ما كنت لادعيكم الى قصر بعبدا للتشاور…
وحين استفسر عون من ضيفه عن رأيه في المداورة، أجابه انه مع اتفاق الطائف، فلفت عون انتباهه الى انّ هذا الاتفاق لا يحصر أي حقيبة وزارية بطائفة محددة.
هنا، قال الزائر: اذاً ما المانع وفق هذا المبدأ أن تبقى المالية مع الشيعة؟ فرد عون: انا أحبّذ المداورة في الحقائب الوزارية.. إلي 15 سنة إشتغل سياسة في لبنان، ولا مرة طِلعتلنا «المالية» او «الداخلية»..