الحريري المحاصر بالشروط والمطالب يوسِّع دائرة مشاوراته
للخروج بتصوُّر واقعي لحكومة وحدة ثلاثينية
مع بدء الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري المرحلة الأصعب من مهمته بعد الاستشارات النيابية غير الملزمة التي أجراها مع الكتل، لا تبدو المعطيات المتوافرة مشجعة كثيراً على ترقب ولادة الحكومة في وقت قريب، بعدما أثقلت هذه الكتل كاهله بشروطها ومطالبها التي تفوق قدرته على الاستجابة لها، خاصةً في ضوء تناتش القوى السياسية للحقائب السيادية وسعي بعضها للفوز بالحقائب الخدماتية الدسمة، وهو الأمر الذي يجد الرئيس المكلف صعوبةً كبيرة بالتعامل معه، ما قد يؤخّر عملية تشكيل الحكومة إلى ما بعد عيد الفطر، إذا أصرّ كل طرف على مواقفه ولم يعمل على تخفيض السقف والقبول بالحد الأدنى.
وفي الوقت الذي أبدى الرئيس الحريري تفاؤله بإنجاز مهمته في وقت قريب، إلا أن الوقائع تشير إلى أنه قد يجد نفسه محاصراً بالكثير من الشروط التي تتمسك بها المكونات السياسية لتسهيل الولادة الحكومية، بعدما رفع كل طرف سقف المطالب إلى حدِّها الأقصى، وسط صراعٍ محتدم ومفتوح على كل الاحتمالات، بشأن التمثيل الماروني في التشكيلة الجديدة بين حزب «القوات اللبنانية» و«التيار الوطني الحر» وحلفائه، أو ما يتصل بالاشتباك الدائر بين رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط والنائب طلال إرسلان حول التمثيل الدرزي، بعدما أبلغ الأول الرئيس المكلف أن تسمية الوزراء الدروز في الحكومة محصورةٌ به وأنه لن يتخلى عن هذا الحق، أما في حال أراد العهد توزير إرسلان فليكن ذلك من حصته، الأمر الذي وضع الرئيس المكلف في موقفٍ لا يُحسد عليه، بالتوازي مع تصاعد المطالبة من جانب تكتل «لبنان القوي» بضرورة أن يكون لرئيس الجمهورية حصة وزارية في الحكومة الجديدة، مفصولةً عن حصة التكتل، وهو الأمر الذي دفع بعض الأطراف النيابية إلى المطالبة بحصة وزارية مقابلة لرئيس الحكومة، على غرار ما كان يحصل في حكومات العهد الماضي وما قبله، بالرغم من أن الدستور لا يشير أبداً إلى ما يُسمى بحصص لهذا المسؤول أو ذاك.
وتوقعت في هذا السياق أوساط قريبة من الرئيس الحريري تكثيف المشاورات التي سيجريها على خط تشكيل الحكومة في الأيام المقبلة بعد عودته من زيارة عائلية إلى المملكة العربية السعودية، بحثاً عن «خلطةٍ سحرية» قد يصعب توافرها في وقت قريب إذا بقيت المواقف على حالها، من أجل تعبيد الطريق أمام التوليفة الوزارية المنتظرة، بحيث أنه يبدو من الصعوبة بمكان التجاوب مع مطالب الكتل النيابية دفعةً واحدة، الأمر الذي سيفرض رفع وتيرة التنسيق والتشاور بين الرئيس الحريري ورئيس الجمهورية ميشال عون، دون استبعاد أن تكون للرئيس المكلف لقاءات مع القيادات السياسية لجوجلة الأفكار التي خرجت بها المشاورات النيابية التي أجراها، فيما يتصل بالحقائب والأسماء، في إطار السعي لاستغلال عامل الوقت من أجل الإسراع في ولادة الحكومة، لكي تتفرّغ لمعالجة الكثير من الملفات الضاغطة التي تنتظرها، وتحديداً على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي.
وتشير المعلومات إلى أن الرئيسين عون والحريري يميلان إلى حكومةٍ ثلاثينية باعتبار أنهما يريدانها جامعة وتمثل معظم القوى السياسية، وهو ما أجمعت عليه الاستشارات التي أجراها الرئيس المكلف، في ظل ترجيحات تشير إلى أن ما هو ثابت حتى الآن، أن تبقى وزارة المالية بعهدة حركة «أمل»، بعدما أبلغ «الثنائي الشيعي» رئيس الجمهورية والرئيس المكلف بهذا المطلب، في حين أن توزيع الحقائب السيادية على الطوائف الأساسية، سيكون موضع بحث بين الرئيس المكلف والقوى السياسية المعنية التي ستسمي ممثليها على رأس هذه الحقائب، على أن تكون الكلمة الفصل في هذا الموضوع للرئيسين عون والحريري، استناداً إلى صلاحياتهما الدستورية في تأليف الحكومة.
في المحصّلة، يبقى مصير التشكيلة الوزارية رهناً بخفض سقف شروط الكتل النيابية التي تدرك أنه لا يمكن للرئيس المكلف أن ينجح في تنفيذ المهمة الملقاة على عاتقه، ما لم تقتنع بالحصول على الحد الأدنى من هذه المطالب، كسبيل للإسراع في تشكيل الحكومة، لأنه يستحيل إرضاء كل الأطراف وتلبية مطالبها.