Site icon IMLebanon

الحريري بين «تشرينَين»: لم أستقل.. ولن أعتذر

 

يتلاعب القدرُ بمرونةٍ فائقة مع مسار و»مصير» الرئيس سعد الحريري في السياسة. هبّت العاصفةُ أكثرَ من مرّة في وجهه. «بين تشرينين»، «تشرين الرياض» و»تشرين العُقدة السنّية» تُكتب ولادةٌ ثانية للحريري، وقبلهما في كانون الأول 2016 بعد الإزاحة القاسية من السراي الحكومي يوم كان مجتمعاً مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض، كانون الثاني 2011.

 

اليوم لن يعتذرَ الحريري ولن يوقّع بيده «مرسوم» الإحالة، الحاسمة هذه المرة، الى تقاعد ليس في البال. صدمة إعلان الاستقالة «المفروضة» من خلف الشاشة السعودية تشرين الثاني 2017 إنتهت بالعودة الآمنة والمحصّنة، برعاية دولية ومحلية جامعة الى السراي.

 

خطابُ الأمين العام لـ«حزب الله» عالي اللهجة، والذي «حَشر» الرئيس المكلّف في زاوية القبول بـ «المعروض» أو الاعتذار، وإن لم يقلها «السيد»، ليس أكثرَ قساوةً من «أيام الرياض» الحالكة.

 

«تشرين العقوبات» سيكتب ولادة أخرى متجدّدة لـ «الشيخ»، فالإعتذار ثمّ الانسحاب غيرُ واردين. مصير العهد نفسه «بالدق» ومعه تسوية رئاسية عمودها الفقري «حزب الله» الذي لا يبدو أنّ على جدول أعماله لعب جولة من «البليارد»: إصابة «طابة سعد» لإيقاع «طابة العهد» في الحفرة!

 

مشهد «بيت الوسط» بعد العودة عن الاستقالة يحفر في الأذهان. كان الحريري ينظر الى جمهوره المتراص كمَن ربح حرباً عالمية. «يللي بدو يشوف يشوف. يللي بدو يسمع يسمع». بدت رسالة مشفّرة الى مَن شكّك بـ «أهلية» الحريري لقيادة المرحلة. هو اليوم على القناعة نفسها. أنا قائد سفينة «الطائفة».

 

ومن دون أن يدري، خرج ليروي، وعلى طريقته، «حادثة خطفه» من بين أحضان تسوية رئاسية بقي حتى ساعات قليلة من تقديم إستقالته يحاضر في كونها من «إرث» الشهيد رفيق الحريري. سعد الحريري «الثاني» أسقط، يومها، المملكة من كل خطاباته ولائحة عرفانه بالجميل على غير عادته وعادة «الإمبراطورية الحريرية». لم يشكرها حتّى على «الاستضافة»!

 

في السعودية «يقدّم» إستقالته. في القصر الجمهوري «يعرضها» على رئيس الجمهورية ويتلقّف «التريّث» الذي طلبه عون كجسر «توبة» عن خطيئة لم يرتكبها أصلاً.

 

الحريري المرتاح «المنتصر» لم يفعل شيئاً طوال عام ليدحض نظرية أنّ مؤامرةً حيكت ضده ولاقت من الداخل مَن «يغذّيها». إنشَغل أكثر بـ «صيانة» زعامة كادت في لحظة سعودية «طائشة» أن تصبح من الماضي، وانتزع تفويضاً جديداً بكونه «المرجعيّة الحصريّة» للجمهور الأزرق، ولكن… وَجد نفسَه مجدداً أمام مَن يحاول «كسرَ» هذه المعادلة.

 

من محنة الاستقالة الى التحضير لانتخابات نيابية على أساس قانون نسبي قيل صراحة للحريري في مجالسه الخاصة إنه قد يشكّل بداية «إنتحاره» السياسي.

 

خاض المواجهة من على «سقف» سيارته المصفحّة المكشوفة. كسر الرقم القياسي لرئيس حكومة مرشّح في عدد جولاته في المناطق من الجنوب الى الشمال والبقاع وصولاً الى قرى العرقوب. من حيث لا يدري أسقط مرة أخرى «حجّة» أمنه المخروق وموكبه «المُراقب»، أحد الأسباب الموجبة للاستقالة في «بيان الرياض».

 

خرج الحريري من الانتخابات النيابية بخسائر الحدّ الأدنى. ثلاثة نواب «طاروا» من يد تيار «المستقبل» بأخطاء داخلية محض، بإعترافِ أهل البيت. جزءٌ له علاقة بالأداء وآخر بالتحالفات، أما الماء الذي لم يخرج من الفمّ فحمّل الوزير جبران باسيل المسؤوليّة في «بُقَع» التحالف.

 

خاض الاستحقاق «حرفيّاً» بلا مال، بمفهوم «الحنفيّة» المفتوحة، إلّا إذا تمّ إستثناءُ القرض المصرفي و»دولارات» الطامحين والمرشحين والأصدقاء. أزمة مالية فوق أزمة إنكفاءٍ «شعبيّ» ملحوظ عن المشاركة في الانتخابات، مع ذلك بقي الحريري الرقم الصعب سنّياً، لكن مع تسجيل تقدّم كبير في «أرقام» منافسيه.

 

جَاهر الحريري بأنّ «النتائج لم تكن بمقدار الآمال»، لكنه وعد في المقابل: «سترون وجهاً جديداً لسعد الحريري» لا يزال «يقاوم» لإثبات جدّيته.

 

أحدث صدمة إيجابية بإطاحة عدد من الرؤوس ضمن مشروع المحاسبة من داخل «البيت». وصل الموسى الى ماهر أبو الخدود الذي خسر موقعه التنظيمي داخل «التيار الأزرق» لكنه بقي الى جانب وزير الداخلية نهاد المشنوق بقرار صارم من الأخير. قيل بعدها إنّ أحد مآخذ الحريري على المشنوق تمسّكه بأبو الخدود وعدم «فهم» رسالة «بيت الوسط». وعد الحريري أيضاً بـ«نفضة» واسعة تلي إنتهاءَ «التحقيق الداخلي» المفتوح في «نكبة» الانتخابات… ثم تفرّغ لـ «همّ» تأليف حكومته الثالثة.

 

طوال أشهر التفاوض لم يقصّر الرئيس المكلّف في إستخدام سلاح «الصلاحيات». كادت الأمور أن تصل حدّ الاصطدام المباشر مع رئيس الجمهورية حين جاهر عون في أيلول الفائت بوجود «ملاحظات» على المسودّة الحكومية «إستناداً إلى الأسس والمعايير التي كان حدّدها لشكل الحكومة التي تقتضيها مصلحة لبنان».

 

شكّل ذلك سابقةً في العلاقة الدستورية بين الرئاستين الأولى والثالثة. ووجِهَ أيضاً باجتهادات «أهل القصر» ومنظّريه عن «مهلة للتكليف» أو سحبه في مقابل تسريبات عن «احتمال» إعتذاره. الحريري الخائب من الجميع تقريباً ردّ بالمباشر: «لا إعتذار. وان إعتذرت لن اقبل تكليفي مجدداً».

 

«إعتكاف» الحريري في باريس، إثر إصطدامه برفض «حزب الله» تسليم أسماء وزرائه لم يؤثّر أبداً في أجندة الحزب و»لهجته». لا يتوانى قريبون من الرئيس المكلّف عن الحديث عن إنقلاب غير مبرّر.

 

«مصيبة» الحريري الفعلية أنه أدار ظهره لـ «أُم العُقد» واستخفّ بـ «نصيحة» الحزب المبكرة بأنه لم يعدّ الممثل الحصري للشارع السنّي، وبات عليه التأقلم مع فكرة «الشريك»، وهو ما عبّر عنه النائب نواف الموسوي تلميحاً قبل أيام.

 

مع ذلك، الحريري ليس قلِقاً الى حدّ الخوف على مصير «الزعامة». هو ليس أمام إعصار العام 2011. ثمّة تطمينات غربية، وفرنسية تحديداً، تنبئ ببقائه في «دائرة الأمان». حتى الرئيس ميشال عون نفسه يعتبر أنّ إقصاءَ الحريري، بعد الضغط عليه، هو إستهدافٌ مباشر له.

 

غداة سفره المفاجئ الى باريس رُفعت لافتات التأييد للحريري في بيروت والشمال. «أنت الزعيم والباقي 8 فاصلة». المقصود 8 في المئة من المجموع العام للأصوات التفضيلية السنّية في الدوائر. الرئيس المكلّف ينصّب نفسه «حاجة» بمعزل عن لغة الأرقام، وهو كذلك على الأرجح بالنسبة الى عون و»حزب الله»… حتى إشعار آخر.

 

كاريزما، وجهوزيّةٌ للمواجهة، وعصبٌ سنّيّ لا يزال يُحسِن «تحريكه» على رغم كمّ التنازلات، القاسية أحياناً، التي أقدم عليها منذ حقبة الـ «سين ـ سين» وصولاً الى دخول سنّة المعارضة شركاء مضاربين الى حلبة «الطائفة». داخل الحلقة الضيّقة لسعد الحريري مَن يجزم «لا بديل عن «الشيخ» طوال الولاية الرئاسية… وربما ما بعدها».