Site icon IMLebanon

شظايا قنبلة الحريري تصيب الاستقرار الداخلي

قبل ان تنضج طبخة الرئاسيات، أصابت خطوة الرئيس سعد الحريري كل المكونات السياسية بأضرار متنوعة. والخشية ان تؤدي الى هزّ الاستقرار السياسي بعد فترة هدوء طويلة

على مدى سنوات الحرب السورية وما رافقها من تورط قوى لبنانية فيها ــــ لا حزب الله وحده ـــ والأشهر التي اعقبت الشغور الرئاسي، ظل الانطباع المحلي ان لبنان تمكن من اجتياز خطر الانقسامات الداخلية، برغم بعض الاهتزازات الامنية كالتفجيرات الانتحارية ومعارك عرسال المتتالية. وبقي شعور بأن الحوارات الداخلية تغطي جزءاً كبيراً من هذا الاستقرار، وان القوى السياسية تجاوزت اكثر من قطوع داخلي، بفعل حوارات ثنائية وموسعة.

لكن القنبلة التي فجرها الرئيس سعد الحريري بترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجيه تكاد تطيح هذا الاستقرار، ليس بمعناه الامني بل السياسي، بعدما اصابت شظاياها جميع المكونات السياسية، بطريقة او بأخرى.

لم يعد ضرورياً ان يعلن الحريري ترشيح فرنجيه رسمياً، لأن مفاعيل الترشيح حصلت، ولأن خطوته أدّت الى ارتدادات سلبية يبدو من الصعب معالجتها. ولم يعد مجدياً قيام الحريري بالتبريرات التي قالها لشخصيات سياسية في قوى 14 آذار، حين اتصل بهم هاتفيا مداورة، ليبلغهم مغزى قيامه بهذه الخطوة، اذ مهما كانت نتيجة الترشيح، انتخاباً لفرنجيه، او انضمامه الى نادي المرشحين للرئاسة فحسب، فان علاقات القوى السياسية بعضها ببعض اهتزت في شكل لا تفيد معه بيانات التهدئة، لانها مسّت معظم مكونات البلد الاساسية.

قوى 14 آذار ابتليت

من اهل البيت ما لا ينفع معه تبجح البعض بمنافع التسوية

فما كاد النائب وليد جنبلاط يعزز موقعه المتضامن مع رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون في ملف التعيينات الامنية، وقيامه بخطوة تفاوضية منذ اشهر سعيا الى تعيين قائد جديد للجيش، وبدل ان يطوي صفحة الاستئثار بقرارات عنهما، عاد مجددا الى أداء دور في تسوية يرفضها المكوّنان المسيحيان الرئيسان، فيدعم التسوية ويستضيف فرنجيه على عشاء عائلي. لا يمكن ان يقرأ مسيحيو الطرفين المعارضين لفرنجية خطوة جنبلاط بمعزل عن اعادة استذكار الماضي القريب، وعن انعكاس علاقته مع طرفين يتقاطع جمهوره مع جمهورهما في جبل لبنان، اي اقضية بعبدا وعاليه والشوف، فيما لا يجمعه اي تداخل مع جمهور المردة. فان يكون لجنبلاط مرشحه الرئاسي، يختلف تماماً عن ترشيح خصم عون ورئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع «رئاسيا»، بتسوية مع الحريري، ومن دون تنسيق مع عون وجعجع وحزب الله. طي صفحة حروب الماضي، والحفاظ على المصالحة، لا يمتان بصلة الى استنساخ التجربة السورية في التعاطي مع القوى المسيحية، فكيف اذا كان ذلك يجري على يد جنبلاط نفسه؟

وأن يقرر الحريري نيابة عن تيار المستقبل أن يدخل الحكومة مع حزب الله، يوم انطلاق عمل المحكمة الدولية، وان يتغاضى عن عبارة الرئيس فؤاد السنيورة «ما قبل اغتيال محمد شطح ليس كما بعده»، هو قرار محض داخلي ينعكس على مكونات تيار المستقبل، التي ترفض معظمها تسوية الحريري ــــ فرنجيه، كما رفضت سابقا تسوية الحريري وعون. وان يقول الحريري لنواب تيار المستقبل ووزرائه « الامر لي» رضي الرئيس السنيورة والنائبة بهية الحريري ام لم يرضيا، يختلف تماما عن ان يبلغ الحريري مسيحيي قوى 14 آذار هاتفيا قراره السير بفرنجيه، متجاهلا الحد الادنى من المشاورات وردود فعل هذه الشخصيات، وما تقوله سرا وعلنا في وصف هذه التسوية. ولا يكفي بعد اليوم ان تتردد ادبيات ومدائح التبشير بـ «ثورة الارز» والحفاظ على ارثها، ما دام الحريري قرر التفرد بقرار تغلب عليه مصلحته الذاتية على اي مصلحة لقوى 14 آذار مجتمعة بكل مكوناتها. فمصيبة قوى 14 آذار اليوم انها ابتليت من اهل البيت، الامر الذي لا ينفع معه تبجح بعض المستشارين بمنافع التسوية في الصالونات السياسية ومردودها الايجابي على هذه القوى.

مسيحياً ايضاً، تكاد قنبلة الحريري تصيب ايضا الاحزاب الثلاثة المعنية. فالقوات اللبنانية وتيار المردة، كانا يطويان تدريجا التشنجات الماضية، ان بفعل لقاءات بكركي بين القادة الموارنة الاربعة، وان بفعل لجنة الاتصالات التي كانت تعنى بتذليل بعض الحوادث التي تثير بلبلة في مناطق نفوذ الطرفين شمالا، كما حصل عند وقوع حادثة ضهر العين، لكن ترشيح فرنجيه، وممانعة القوات له، وللطريقة التي اعتمدها الحريري في خطوته السرية هذه، بدآ يعيدان التجاذبات بين الطرفين. وهذا الامر لا يبشر بكثير من الخير، إن لم يحتط له الطرفان المعنيان، بغض النظر عن خاتمة مغامرة الحريري. لان سيئات السنوات الماضية سرعان ما عادت الى الضوء وبدأ الطرفان يترصدان بعضهما بعضاً. وهو امر يجب استدراك معالجته، كي لا تنحدر الامور الى نقطة اللاعودة، بل تبقى في اطار الخلاف السياسي التقليدي الذي يضع جعجع وفرنجيه منذ سنوات طويلة في موقعين متنافسين.

وان يلعب الحريري لعبة سياسية محض، حق مشروع ان لم يكن هذا اللعب على حساب قوتين مسيحيتين متناقضتين في مشروعهما وفي رؤيتهما لمستقبل لبنان وعلاقاته. اذ لم يقتصر الارتداد على المردة والقوات فقط، بل انعكس ايضا على شارعي التيار الوطني الحر والمردة، وقد لا يمر من دون آثار سلبية، وخصوصاً ان الطرفين ينضويان تحت عنوان ومشروع وتكتل واحد، على عكس وضع المردة والقوات. وان تكون اقضية الشمال ايضا مسرحا لهذه التجاذبات لا يمكن ان تبقى بمنأى عن حساسيات قديمة، وعن حسابات تتعلق بمواقع بعض قيادات الطرفين وكوادرهما.

وحده حزب الله يحق له ان يقف متفرجاً على الانقسامات التي احدثتها خطوات الحريري غير المدروسة، فلا تصيبه شظاياها، فيما هو ينصرف الى متابعة دقيقة لملفات اقليمية من اليمن الى العراق وسوريا.