IMLebanon

حسابات الحريري المتفائل

يُبدي الرئيس سعد الحريري تفاؤلاً يقترب من نسبة المئة بالمئة، في علاقته الجديدة بالعماد ميشال عون. لم تكن الخطوة ناتجة بالنسبة له عن تردّد بل عن حسابات يراها واقعية ولا مفرّ منها. قناعته بقدرة عون على الإيفاء بالتزاماته ثابتة، وعلى هذا الأساس يترقب بداية عهد وردية ستشهد تعاوناً كاملاً مع «الرئيس عون».

خصخصة في العهد الجديد تعطي ما لـ»حزب الله» للحزب، وما لتفاهم عون الحريري ما لهالتعهّد الأول الذي أخذه عون على عاتقه هو أن لا يطول تشكيل الحكومة لأكثر من شهر، بعد التكليف، وإلّا فإنّ الجنرال سيوقع مرسوم تشكيل الحكومة حتى لو لم تحصل على توافق كامل بين كلّ القوى المفترض أن تتمثل فيها. قناعة الحريري في هذا الإطار غيبية، فعون بالنسبة له يريد أن ينجح كرئيس، ولا يريد أن يمرّ العهد بالفراغ والشلل. قناعة الحريري تقول إنّ عون يمتلك المصلحة والقدرة والمونة على «حزب الله»، لكي يتّخذ قرارات من هذا القبيل، وهذا أمر متفق عليه، ولن ينقضه الجنرال.

كان الجنرال صريحاً مع الحريري في التفاوض. «يمكننا» وفق معادلة الجنرال، أن نتفق على تسيير الدولة، وتشكيل الحكومة، وتعيين المواقع الإدارية والعسكرية (قيادة الجيش وقوى الامن الداخلي وشعبة المعلومات والمواقع القضائية)، لكن ما لنا ولسلاح «حزب الله»، ما لنا ولقتاله في سوريا، «لا أنا ولا أنت قادران على التأثير في هذا الأمر». بناءً لكلام الجنرال ومنطقه، فإنّ اتفاقاً ضمنياً مع الحريري، حصل ويفيد بأن تنأى الحكومة عن نفسها بما يتعلّق بقتال «حزب الله» في سوريا، وأن تعتمد معادلة «جيش شعب مقاومة» في البيان الوزاري، أما الموقف من السلاح في لبنان وسوريا، فسيغيب، بناءً على نصيحة الجنرال، الذي يقول إنّ الكلام عن هذا الموضوع لا يقدم ولا يؤخر، «فهم يفعلون ما يشاؤون»، يقصد حزب الله.

في الحسابات الحريرية بخصوص تأييد ترشيح عون دوز عال من القراءات الإقليمية والدولية. بالنسبة للسعودية وهي الراعي العربي الأبرز، توصل الحريري الى نيل اللاممانعة بخصوص عون، وتمّ ذلك على الأرجح في لقاء لم يعلن عنه في المملكة، لكنّ ذلك لا يعني شيكاً على بياض. أما بخصوص المواقف الدولية، فلم يبالِ الحريري بكلام السفيرة الاميركية الرافض انتخاب عون، بل مضى في طريقه.

لم تتأثر حسابات الحريري بأيّ عامل إقليمي أو دولي. للمرة الأولى بات يقول إنّ هناك فرصة لإنتاج رئيس في الداخل، وهو صمّم على الدخول في التجربة، لانعدام وجود البديل، لكنّ الواضح أنّ الخيار الاضطراري، مؤهَّل للتحوّل الى تحالف داخلي بضوابط مرسومة مسبقاً من الطرفين لا تقترب من مقدّسات «حزب الله» وسلاحه.

يبدو الحريري متحمِّساً ومتفائلاً وواثقاً من وضع اليد في يد الجنرال. رهانه كبير على عون بأنه يمتلك هامشاً داخلياً في علاقته بالحزب كافية للإقلاع بالعهد والحكومة، ويبدو أيضاً أنه «لزم» عون ملف تنظيم علاقته بـ»حزب الله»، وهو يتوقع في هذا المجال أن يصبح عون الشريك المسيحي الاوّل، الذي يضعف الحاجة الى الشركاء الآخرين، وهذا ما سيُنتج تفاهماً ثلاثياً بين عون والحريري و»حزب الله»، يكون قاعدة لانطلاق العهد الجديد، ذلك على الرغم من أنّ اطرافاً أساسيّين كالرئيس نبيه برّي، سيقاومون خريطة الاحجام هذه، وأنّ أطرافاً آخرين كـ«القوات اللبنانية» لن يحظوا داخل هذه التركيبة، بما يريدونه لأنفسهم.

من علامات هذا التوازن الجديد، على سبيل المثال لا الحصر، أنّ عون في كلامه مع «القوات اللبنانية» عن توزيع المقاعد الوزارية، تمسّك بأن تكون له كرئيس حصة وزارية منفصلة عن حصة «التيار الوطني الحر»، وأنه لم يلتزم إعطاء «القوات» وزارة سيادية.

يتّجه الحريري المتفائل الى تحقيق حلم عون بالرئاسة، هذا التفاؤل سيدخل في الاختبار تلو الاختبار، فور انتخاب عون، وتكليف الحريري، لكنّ هذا التفاؤل المبني على خصخصة في العهد الجديد تعطي ما لـ«حزب الله» لـ»حزب الله»، وما لتفاهم عون الحريري ما له، يبقى اتفاقاً بهامش محدود، يعيد المشهد اللبناني الى مرحلة ما قبل العام 2005.