IMLebanon

الحريري طالب في استمرار «المساعدات» في مرحلة ما بعد تحرير الجرود

انتهت زيارة رئيس الحكومة اللبنانية الى الولايات المتحدة الاميركية قبل ان تبدأ. فالمواقف جاءت كلها محسومة سلفاً خلال التحضير سواء لبنانيا، حيث ضبط اتفاق الرئاستين الاولى والثالثة ايقاع وسقف موقف بيروت، مقابل تفهم الادارة الاميركية للواقع اللبناني، حيث لعبت شخصيات لبنانية دورا فاعلا على هذا الصعيد، فجاءت الاقامة الطويلة نسبيا للحريري في واشنطن كافية لعرض كل الملفات ووجهات النظر بالتفصيل، وفق حفاوة لافتة، فالرئيس الأميركي استقبل رئيس الوزراء اللبناني عند المدخل الخارجي للمكتب البيضاوي، عقد اجتماعاً منفرداً، ثم التقى الوفد الموسّع، ولأول مرة يشهد اللبنانيون مؤتمراً صحافياً مشتركاً بين الرئيس الأميركي مع رئيس حكومة لبناني.

في الجانب العسكري كانت الزيارة الحريرية الى واشنطن اكثر من ناجحة،حيث نجح رئيس الحكومة في الحصول على تكرار واضح وصريح بدعم كامل للجيش اللبناني بوصفه شريكا اساسيا في التحالف الدولي ضد الارهاب، سواء من الرئيس دونالد ترامب ام من اعضاء في الكونغرس الذين حسموا امر العقوبات ومداها لجهة من ستطال من المتعاونين مع الحزب مميزين بين العمليات التي يقودها حزب الله والتي تقع تحت خانة المشروع الاقليمي الذي يعمل ضمنه وبين الجيش اللبناني وضرورة استمرار المساعدات وتعزيزها اذا ما اقتضى الامر، نتيجة الاطمئنان الاميركي ،بحسب كل التقارير المرفوعة من البنتاغون، للقيادة العسكرية اللبنانية ولاداء الجيش الملتزم بتطبيق حرفي ودقيق لكامل موجبات الاتفاقات والعقود الموقعة بين الطرفين.

وتشير المصادر الى ان الحريري لم يفاتح الاميركيين في موضوع شراء اسلحة بقروض ميسرة على ما ذكرت المعلومات الا انه شرح الوضع اللبناني بدقة وحاجة الدولة الى كل انواع المساعدات بخاصة العسكرية، خصوصا ان الجيش اللبناني يعتمد على السلاح الاميركي وجنوده متآلفون مع هذا السلاح، مستفهما مصير برامج الدعم في حال طهرت الجرود من تواجد المجموعات الارهابية، خصوصا ان العمل سيكون حينها دفاعيا من اجل تأمين الحدود ،وهو برنامج تكفلت بالتدريب عليه كل من بريطانيا والمانيا، وان المرحلة المقبلة ستشهد تحولا في اتجاه تعزيز العمل الامني لان خروج المسلحين لا يعني انتفاء وجودهم وخلاياهم النائمة، ذلك ان العدد الكبير من المدنيين الذين غادروا مع المسلحين يؤشر في احد الامكنة الى وجود حالة غير مشجعة بين النازحين تشكل بيئة حاضنة وارض خصبة لاعادة تشكيل خلايا ارهابية من المتعاطفين، في ظل تواجد غرفة عمليات عين الحلوة التي حلها لن يكون كما يتصوره البعض وبسهولة ما يظن، متعجبة من الموقف غير المفهوم والمثير للريبة من موضوع اللاجئين حيث كان التشدد واضح في مقاربة هذا الملف، وهو ما دفع بالحريري الى وضعه بندا رئيسا في زيارته الى موسكو مطلع ايلول املا في الحصول على موقف دولي مغاير للتوجه الاميركي.

وتتابع المصادر بان الحريري ضرب «ضربة معلم» في اختياره العميد المتقاعد مارون حتي نائب رئيس الاركان السابق للتجهيز، والمقرب من الدوائر الاميركية والاوروبية عندما اختاره مستشارا عسكريا لمرافقته الى الولايات المتحدة والمشاركة في هذا الجانب من الزيارة بفعالية، وقد نجح العميد حتي المطلع على كامل الملف بصفته السابقة في اتمام مهمته باحسن صورة مستفيدا من السمعة التي يتمتع بها في اوساط القيادات العسكرية الاميركية، حيث تكشف المعلومات ان الاخير متمرس في ملفاته يعرفها جيدا كما انه يفهم العقلية الاميركية وكيفية مقاربة الامور، مشيرة الى ان التفاصيل تركت لزيارة قائد الجيش التي اذا ما تمت ستبحث التفاصيل المتعلقة ببعض البرامج والتعديلات التي يمكن ادخالها اليها، حيث ان وزارة الخارجية تضغط من اجل تخفيف الحصة المرصودة للبنان مقابل موقف وزارة الدفاع المغاير.

اما اللافت فيبقى في ملف حزب الله وبتشعباته، حيث تؤكد المصادر ان الوفد اللبناني سمع كلاما واضحا بان العقوبات ستطال كل المتعاملين مع حزب الله ايا كانت الدرجة، وان الادارة الاميركية المدركة للخصوصية اللبنانية لن تسمح هذه المرة بالتلاعب على العقوبات كما في المرة السابقة، معتبرة انها لا تستهدف الشعب اللبناني واستقراره، لذلك كان الفصل بين استهداف الحزب والجيش اللبناني والقطاع المصرفي من جهة ثانية، خصوصا انها تعتبر نفسها المعني الاول في الاستثمار في هذين القطاعين العسكري والمالي، الذي ارتكزت الاستراتيجية الحريرية في المواجهة على طلب استمرار الدعم في الاولى وطلب الأموال لصندوق الاستثمارات بالنسبة للثانية. من هنا فان تجاوب الدولة اللبنانية سيسمح بمرونة في التعاطي معها من قبل الجانب الاميركي المنفتح على اي اجراءات تساعدها على تحقيق استعادة قرارها، خصوصا اذا ما انحصر تعامل الدولة على الجانب السياسي فقط مع الحزب. يشار الى ان الاميركيين استبقوا الزيارة بتصريح واضح لوزير الدفاع الاميركي اتهم فيه الحزب وطهران باغتيال الحريري الاب.

وتقول المصادر ان اي معركة لتطهير الحدود لا يمكن ان تكون بالتنسيق بين الجيشين اللبناني والسوري، حيث علم ان القيادة الاميركية تتابع عن كثب الاحداث الجارية على طول الحدود الشرقية والثغرات التي ما زالت قائمة في بعض مناطقها.

عليه تشير الى ان ربط النزاع القائم في لبنان، رغم الزكزكات الاعلامية المتبادلة بين حزب الله مستمر اقله في الفترة الحالية في ظل موازين القوى القائم، اذ ان الازرق يعتمد على ما سمعه دوليا من استراتيجيات جديدة ستعتمد، فيما حزب الله يرتكز الى التطورات الميدانية في سوريا و الى ما يعتبره «تحييدا» داخليا للجيش اثبت نجاحه في معركة جرود عرسال، من هنا لم يقدم الحزب على تصعيد اللهجة رسميا ضد الحريري ، كما لم يقدم الاخير على مقاربة الموضوع من واشنطن بما «يؤذي» الحزب، ما سيعني عمليا استمرار الحكومة وبالتالي استمرار التغطية السياسية للحزب المنخرط في المؤسسات الرسمية بوصفه جهة سياسية وازنة في البلد. علما ان مصادر في الثامن من آذار اعتبرت ان ابرز ما يقلق الحزب في هذه المرحلة هو ملف اللاجئين والاصرار الدولي على عدم ايجاد اي حل لتلك المعضلة ،وسط حديث متزايد عن دور لهم في حال حصول الصدام الاميركي-الايراني بالواسطة.

في الاعراف الدبلوماسية تنتهي الزيارات الرسمية الى الدول ببيان رسمي مشترك يحدد المواضيع التي بحثت والاتفاقات التي تم التوصل اليها.امر لم يحصل مع انتهاء زيارة الحريري الى واشنطن ما ترك العديد من علامات الاستفهام حول ما اذا كان ناتج عن خلافات عميقة ام اتفاق على مراعاة وضع رئاسة الحكومة اللبنانية وعدم احراجها، خصوصا ان الهمس يدور عن وساطة سعودية قادت الشيخ سعد الى البيت الابيض وامنت له الحفاوة التي استقبل بها من قبل الرئيس ترامب الذي انتظره امام المدخل الخارجي على ما يفعل مع رؤوساء الدول.

فهل هو التفهم الاميركي؟ ام هو حذر؟ام هو اخذ واشنطن في الحسبان للتوازنات اللبنانية الداخلية، دون التخلي عن أهدافها؟ الاشهر المقبلة كفيلة بايضاح معالم الصورة على ضوء ما يتقرر في المنطقة من مشاريع وتسويات.