بدل الدعوة إلى مراجعة حسابات عملية «عاصفة الحزم» اليمنية، التي فشلت في تحقيق الأهداف التي وضعتها في اليوم الأول، خرج رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، من العاصمة الأميركية واشنطن بعد لقائه وزير خارجيتها جون كيري، ليدعو إلى إنتقالها إلى سوريا بهدف «إنهاء» النظام السوري الذي «قتل السوريين»، وموجهاً الإتهامات إلى الجمهورية الإسلامية في إيران، في سياق الدفاع عن المملكة العربية السعودية.
من حق الرئيس الحريري أن يأخذ الموقف الذي يريده من أي حدث محلي أو إقليمي، لكن عليه أن يحدد معياراً واضحاً يتم على أساسه التعامل، كي لا يناقض نفسه أولاً، وكي لا يكون شريكاً في «توريط» لبنان بأحداث خارجية، خصوصاً أنه زعيم فريق «لبنان أولاً» الذي ينادي بالحرية والسيادة والإستقلال، فأين هي المصلحة اللبنانية العليا في التحريض على الحرب على دمشق؟ وهل يدرك «الشيخ» حجم التداعيات التي من الممكن أن تترتب على بيروت من جراء ذلك؟ تكفي الإشارة فقط إلى أن مجرد إغلاق معبر النصيب الحدودي بين الأردن وسوريا كان ضربة قاسية إلى الإقتصاد المحلي، خصوصاً قطاعي الصناعة والزراعة.
في هذا السياق، تشدد مصادر مطلعة، على أن رئيس الحكومة السابق لا يمكن له أن يدعو حزب الله إلى الإنسحاب من الأراضي السورية، تحت عنوان «النأي بالنفس» عن هذا الحريق، في الوقت الذي يدعو فيه الدول العربية إلى شن حرب عليها، فهذا «توريط» أكبر، لأن دخول الحزب إلى الميدان السوري يمكن الأخذ بالمبررات التي قدمت له، في ظل التهديد الذي تشكله المجموعات الإرهابية الموجودة على الحدود اللبنانية السورية المشتركة، وبعض أركان فريق الحريري نفسه يعترف في الغرف المغلقة بأن قرار الحزب جنب لبنان الدخول في المجهول، ويعتبر أن ما حصل ساهم في حماية البلاد إلى حد بعيد، لكن ماذا ستقدم الحرب على سوريا إلى لبنان؟
من وجهة نظر هذه المصادر، يجب العودة إلى قراءة أبرز ما حصل في اليمن خلال عملية «عاصفة الحزم» لمعرفة النتائج التي ستترتب عن تكرارها في سوريا، حيث تنامى نفوذ الجماعات المرتبطة بتنظيم «القاعدة» على نحو واسع في بعض المحافظات اليمنية بعد أن كان يعاني من تراجع كبير في السابق، وتشدد على أن هذا الأمر هو العامل الأساسي في تحرك الولايات المتحدة الأميركية لوقف الضربات الجوية، بالتنسيق مع روسيا وإيران، وتسأل: ماذا لو تكرر الأمر نفسه في سوريا حيث التواجد الأكبر لتنظيمي «داعش» وجبهة «النصرة»؟، وتجيب: «ربما سنجد أنهما يتقدمان باتجاه الأراضي اللبنانية مستفيدين من إستهداف قوات الجيش السوري التي تحاصرهما في جرود القلمون».
من ناحية أخرى، تستغرب المصادر المطلعة التحريض على هذه الحرب من العاصمة الأميركية، بعد ساعات على كلام مندوب السعودية في الأمم المتحدة عبدالله المعلمي عن إستعداد بلاده لنقل تجربة «عاصفة الحزم» إلى دمشق، وتحدي المندوب السوري بشار الجعفري له بالقيام بذلك، وتطرح علامات إستفهام حول موقف قوى الرابع عشر من آذار، فيما لو خرج السفير السوري في لبنان علي عبد الكريم علي ليطلب توضيحاً من السلطات اللبنانية لهذا الموقف، أو السفير الإيراني محمد فتحعلي ليطلب إعتذاراً في ظل المساعدات التي تقدمها بلاده إلى لبنان، وتسأل: «هل يمكن لنا اليوم القول أن الحريري يغامر بمصالح لبنان الأمنية تنفيذاً لرغبات الرياض؟».
بالنسبة إلى قوى الثامن من آذار، لا جديد في مواقف الرئيس الحريري، فهو منذ اليوم الأول لبداية الأحداث السورية كان واضحاً في الدعوة إلى شن حرب تحقق أهداف الفريق الذي تضامن معه، لا بل فريقه السياسي كان أول المتورطين بالذهاب إلى هناك، حتى قبل أخذ القرار من جانب قيادة حزب الله، لكنها تستغرب الإصرار على هذا الموقف في الوقت الذي بدأ فيه العالم يفتح قنوات إتصال مع الحكومة السورية، من أجل التعاون الأمني على الأقل، بهدف حماية نفسه من هجمات المجموعات الإرهابية التي تأخذ من سوريا مقراً لها، ويرى أن الخطر الأكبر نابع من هذه الجماعات.
هذه المصادر، تعتبر أن هناك الكثير من الأسئلة التي ينبغي التوقف عندها في المرحلة الراهنة، ومنها: هل نجحت «عاصفة الحزم» في تحقيق الأهداف المطلوبة منها كي تأتي الدعوات لتكرارها؟ هل تمكنت من إنقاذ اليمن أو وقف تمدد النفوذ الإيراني كما زعمت؟ ما هو رأي الشعب اليمني بما قامت به السعودية؟ أين هو الحل السياسي الذي لا مفر منه اليوم؟ ما هي التداعيات التي قد تنجم على صعيد الأوضاع الداخلية في المملكة؟
برأيها، ما يقوم به الرئيس الحريري هو «التورط» بعينه، تجد في مواقفه رهاناً جديداً قد يكون له تداعيات خطيرة على الأوضاع اللبنانية الداخلية، نتيجة حساب يدفعه إلى الرياض من الجيبة اللبنانية، ولا يمكن أن يكون مجرد رأي في قضية ما، وتشير إلى أن مصلحة لبنان تقتضي البحث عن حل لأزمة النازحين السوريين، بالتنسيق مع السلطات السورية، والتعاون الأمني لمنع أي إنفجار على الحدود، خصوصاً أن أهداف الجماعات المتطرفة باتت معروفة.
في الختام، تفضل مصادر قوى الثامن من آذار توجيه رسالة واضحة إلى زعيم تيار المستقبل، تتعلق بموقفه فيما لو دعا أي ركن منها العالم إلى إنقاذ الشعب البحريني الذي يطالب بالحرية والديمقراطية، أو خرجت مطالبات الإصلاح في السعودية من بيروت على لسان شخصية سياسية تنتمي إليها، وتضيف: «إذا فعلاً يريد سياسة النأي بالنفس عليه أولاً أن يقدم نموذجاً لها قبل غيره».