القراءة المتأخرة لما بعد انجاز قانون الانتخابات بما سبق من مناقشات وظروف وتوترات تظهر ان كل الأطراف السياسية «دفشت» في اللحظات الاخيرة لإنهاء القانون وحلحلة العقدة وان كان ثمة تفاوت بين الرابحين والخاسرين ومن سيربح او «يلاقي حتفه» السياسي في هذا القانون غير الواضح النتائج والمعالم لكون هذا هو حال النسبية عادة، إلا ان رئيس الحكومة سعد الحريري بعد جلاء معركة القانون هو وفق مقربين من الرئاسة من المساهمين الرئيسيين والاساسيين في تسهيل وتسريع ولادة القانون ولو انه «اتى ربما على حسابه رقمياً»، فكتلة المستقبل قد لا تعود نفسها في انتخابات 2018 لكن رئيس المستقبل، لكن الحريري قدم في مفاوضات القانون كل التسهيلات الضرورية لحسم المسألة تحت عنوان المساهمة من اجل عدم حشر العهد وتخفيف الضغوط عنه بعدما ثبت بالوقائع ان «لا نية لدى الرئاسة الاولى بالتراجع» ولو كان القانون ليس القانون المثالي الذي اراده رئيس الجمهورية.
التناغم في موضوع القانون ليس جديداً وفي كل الملفات بين بعبدا والسراي، وكل العقد الشائكة جرى تذليلها وليس سراً ان رئيس الحكومة غالباً ما يبادر الى بعبدا وهو مأخذ يعول عليه على الأخصام للتصويب على علاقة الرئاستين خصوصاً وان مستوى العلاقة ارتقى الى مرحلة ومستوى لم تألفه العقود السابقة، مما وسع حلقة الانتقادات والوشوشات. وبحسب الأوساط فان العلاقة يمكن ان تمتد او تنسحب على الانتخابات النيابية التي بدأت طلائعها تظهر وستتوضح تدريجياً، فحضور رئيس التيار الوطني الحر في افطار الشمال متوسطاً وزير الدفاع والنائب هادي حبيش مطلقاً التيار السني الثالث له دلالاته ورمزيته. وبدون شك فان كلمة باسيل في افتتاح ماكينة التيار عن الحليف الدائم «حزب الله» والرئيس الحريري الذي رفض التمديد لها أصداؤها ايضاً وموجهة الى الحليفين الذين لا غنى عنهما في المحطات المصيرية، فصدقية حزب الله أنجزت القانون وساهمت في خلق اجواء ايجابية لانجازه، ولا تنسى الرئاسة الاولى موقف رئيس الحكومة الرافض للتمديد الذي اوصل القانون الى ما وصل اليه، فرئيس الجمهورية لم يرغب اصلاً باطالة عمر المجلس النيابي تمديداً إضافياً لكن الظروف فرضت الامر الواقع، فيما الحريري يحتاج ايضاً الى حد ما الى هذا التمديد التقني ليعيد ترتيب اوراقه وينسج تحالفات اضافية ومريحة فيما حزب الله وأما استدرجا الجميع الى النسبية المعدلة لأسباب داخلية واولويات إقليمية.
وفي كل ألأحوال فان ما بعد القانون بين الرئاستين ألأولى والثالثة أفضل مما قبله وان كان مسار العلاقة منذ انتخاب عون لا يرتقي اليه الشك، بل يدخل الأطر النموذجية والمثالية حتى. وبدون شك فان المستقبل والتيار الوطني الحر سائران الى تحالفات انتخابية لم يسبقهما اليها أحد مع مراعاة الحلفاء للطرفين. فالعلاقة الجيدة التي قامت بين الرئاستين الأولى والثالثة رمت بظلالها الهانئة على علاقة التيار الوطني الحر والمستقبل، فالعلاقة التي رعاها نادر الحريري وجبران باسيل بعناية تامة نادراً ما خرجت عن الإطار السياسي المرسوم منذ التسوية الرئاسية، وإذا كان التنسيق والتناغم قائم بين السراي وبعبدا في ظاهرة لم تألفها الحياة السياسية على مر مراحلها بين الرئاستين فان ما بين التيارين الأزرق والبرتقالي تفاهم بدون حدود لم تعكره سابقاً القوانين والصيغ المشبوهة التي طرحت اثناء صياغة القوانين التي اعتبرت بعضها «مقبرة» انتخابية للمستقبل، ولا يخفي العارفون ان المستقبل لا تهمه نتائج الانتخابات النيابية بنتائجها التي قد يخسر فيها مقاعد في مناطق محددة بقدر ما يحرص على عدم توتير علاقته بالعهد وما ارساه من تفاهمات مع المستقبل، وهذا الواقع استفز ولا يزال يستنفر النائب وليد جنبلاط ويخرجه عن طوره السياسي كلما اقترب الحريري من بعبدا.
قبل فترة اكد رئيس الحكومة للحريري ان التحالفات السياسية والانتخابية تغيرت ولم تعد تشبه تلك التي قامت بعد اغتيال الشهيد رفيق الحريري، فرئيس الحكومة ومعه كل الطبقة السياسية سائرون الى اصطفافات مختلفة، ورئيس الحكومة بالذات منذ قبوله التسوية السياسية ومعادلة «عون في بعبدا والحريري في السراي» افتتح مرحلة سياسية مختلفة وخطاً سياسياً ساخناً، وهو كان واثقاً ان الطريق التي اختارها ستكون معبدة بالاشكاليات وغير سالكة مراراً لكنه كان مصمماً على التعاون المطلق مع رئيس الجمهورية، وهو الذي خرج قبل سنوات من السلطة «صفر اليدين» وعاد اليها في حلة اصعب فاقداً عناصر القوة والسلطة والمل، قبل ان تفتح مجدداً امامه «جنة» الحكم التي يتداول الاهتمام والعناية بها وفق تفاهم مه رئيس الجمهورية.
وعليه فان التناغم بين الرئاستين وفق الاوساط لن تؤثر عليه الوشوشات الداخلية، وثمة الكثير من التعاون والتلاقي في العديد من الملفات من لحظة وصول رئيس الحكومة الى السراي وقبلها، فرئيس الجمهورية رفض اي قانون لا يتم الاتفاق حوله مع كل القوى السياسية وموافقة الشريك السني في الطليعة، التفاهم واضح في مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية يمكن ان يترك الجلسة في قصر بعبدا ليسلمها الى رئيس الحكومة بدون تردد وهي سابقة لم تحصل في تاريخ علاقة الرئاستين، ورئيس المستقبل كان السباق في رفض التمديد في تأييد واضح لبعبدا اغضب كثرين وخصوصاً المختارة وعين التينة.
في هذا الاطار يأخذ كثيراً على الانحياز الحريري لبعبدا وذوبان رئيس الحكومة الى حد ما في شخص الرئيس، فيما يرى آخرون ان ثمة توزيع ادوار بين السراي وبعبدا وتنسيق لا متناهي قائم وفق المعادلة الرئاسية التي حكمت فترة رفيق الحريري ورئيس الجمهورية هي ذاتها اليوم مع تعديلات اضافية وتقوم على «السياسة لبعبدا والاقتصاد للسراي» مع رتوشات تواكب موازين معينة. فرئيس الحكومة يحتاج الى السلطة والقوة المالية التي كان يمتلكها وفقد جزءاً منها لاستعادة شارعه السني وخوض الانتخابات النيابية خصوصاً انه يواجه اخطبوطات سياسية في كل مناطقه.
الضجة السياسية التي تسري منذ فترة ويثيرها اخصام بعبدا والسراي حول مسار العلاقة المتجاوبة او «المتمادية» والتي لا سقف لها بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة لا يبدو انها تؤثر في علاقة الرئاستين، فرئيس الحكومة حريص على تمتين علاقته بالعهد وعدم افتعال اي خلاف سياسي مهما كانت الاسباب او الموجبات حيث يتفق الرئيسان على كل التفاصيل تقريباً في النقاش الانتخابي او التعيينات والملفات الحيوية وحيث يحرص الحريري على ترييح عهد عون في ولايته الرئاسية الصاخبة بالاصلاح…