بعد فشل كل الطروحات الملتوية للإلتفاف على إنتخابات الرئاسة
الحريري يؤكد: حل الأزمة يبدأ بانتخاب الرئيس وليس من خلال أي طرح آخر
تركيز زعيم «تيار المستقبل» على مفهوم الإنفتاح دليل قاطع على حرصه التفاهم مع كل الأطراف السياسيين لحل الأزمة القائمة
كان واضحاً كل الوضوح الكلام الذي قاله زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري في خطابه الرمضاني السنوي المعتاد أمام الجميع وبدون مواربة ومفاده بأن حل الأزمة السياسية التي يتخبّط فيها لبنان حالياً منذ أكثر من عام، يبدأ من خلال انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتولى مقاليد السلطة وإعادة الحياة إلى المؤسسات الدستورية والإدارية للدولة وليس عبر أي طرح ملتوٍ آخر تمّ التداول به للإلتفاف على مسألة انتخاب الرئيس أولاً، لا سيما وأن كل الطروحات البديلة إن كان الدعوة لإجراء انتخابات نيابية أو تغيير النظام وما شابه قبل ذلك، قد أثبتت عدم جدواها في الخروج من المأزق السياسي القائم، بالرغم من كل محاولات الابتزاز السياسي والتوتير الأمني، والاستقواء بالسلاح، وتأجيج الخلافات السياسية وشلّ عمل المؤسسات الدستورية عمداً وممارسة الضغوطات على مفاصل الحركة الاقتصادية التي استعملت لهذه الغاية.
ولذلك، أعاد الرئيس الحريري التأكيد على مبادرته التي أطلقها منذ عام وقوبلت يومها بالأبواب الموصدة وعدم الاستجابة لأي بند منها، باعتبارها ما تزال تصلح للعمل على أساسها لحل الأزمة القائمة، لا سيما وأن كل الرهانات القائمة على المتغيّرات الإقليمية وتوظيف الصراع السائد في سوريا، لم تحقق الغلبة التي ابتغاها «حزب الله» وحليفه «التيار الوطني» في تبديل موازين القوى السياسية القائمة في الداخل اللبناني لإيصال مرشّح محسوب على محور طهران – الأسد وبقيت الأمور في دائرة المراوحة نفسها من دون التقدّم ولو خطوة واحدة إلى الأمام، بل على عكس من ذلك تماماً تراجعت الأوضاع إلى الوراء وباتت تنذر بتداعيات خطيرة على لبنان كدولة وكيان وعيش مشترك بين كل المكونات في حال استمرت الجمهورية بلا رأس لمدة أطول ومؤسسات الدولة إلى مزيد من الاهتراء والتحلّل.
ولا شك أن تركيز زعيم «تيار المستقبل» على مفهوم الانفتاح على كل المكونات السياسية والتواصل معها للبحث في أي مخرج يطرح للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية ورفضه مبدأ «الفيتو» على أي مرشّح للرئاسة وتشديده على مبدأ التوافق بين الأطراف السياسيين، إنما يعطي الدليل القاطع على مدى حرصه للتفاهم مع كل الأطراف السياسيين لحل الأزمة القائمة وإصراره على بذل أي جهد ممكن لتجاوز حالة الدوران في الحلقة المفرغة والخروج منها باتجاه انتخاب رئيس جديد للجمهورية، منعاً لأضرار الفراغ الرئاسي والتداعيات المتواصلة للحرب الدائرة بسوريا بكل مخاطرها المحدقة، ولوقف جنوح البعض لتسويق طروحات وخيارات مدمّرة تساهم في تعقيد الأزمة والانقسام السياسي أكثر من السابق إذا لم يتم التصدّي لها ووضع حدّ لها بأسرع وقت ممكن بالتعاون مع القوى السياسية الفاعلة والرافضة لمبدأ طرح مثل هذه الخيارات الهدّامة.
فزعيم «تيار المستقبل» لم يُقابل لغة التصعيد بالتصعيد المضاد، ولم يلجأ إلى لغة تأجيج المشاعر والتحريض في هكذا مناسبة، بل أعاد التذكير بمواقفه السابقة وكرر من جديد أن مشاركة «حزب الله» بالقتال إلى جانب نظام الأسد المتهالك خطيئة لن تؤدي إلى إنقاذ النظام الديكتاتوري من مصيره المحتوم، بل ستحدث مزيداً من التداعيات على لبنان وتستجلب المخاطر عليه، وفي الخلاصة لم تؤدِ إلى انتخاب رئيس موالٍ لحلف طهران – الأسد، ولم يواجه التهديد بتغيير أو تعديل الطائف أو طرح المثالثة أو أي نظام سياسي جديد بردّ إنفعالي غوغائي، بل أكد على تشبثه بصيغة العيش المشترك المرتكزة إلى الطائف مذكّراً بويلات المشاريع والصيغ التقسيمية والتفتيتية البديلة التي أتت على مكونات دول مجاورة، مذكّراً «حزب الله» بما نص عليه الطائف بخصوص حصرية السلاح بيد الدولة دون سواها وبسط سلطة الدولة على كل الأراضي اللبنانية.
أما بخصوص الفيدرالية التي طرحها زعيم «التيار العوني» النائب ميشال عون كردّ على خصومه السياسيين الرافضين لانتخابه رئيساً للجمهورية وتعيين صهره قائداً للجيش اللبناني، فلم تأخذ حيّزاً من الردّ باعتبارها رفضت من حلفاء عون المسيحيين قبل المسلمين ولأن تسويقها لم ينجح حتى في حمأة الحرب الأهلية التي عاشها لبنان في منتصف السبعينات من القرن الماضي وطرحها حالياً لا يؤدي إلى تقريب عون من الرئاسة الأولى مهما تمّ التهويل بها.
في ردّه على محاولات التجييش الطائفي التي يطرحها «التيار العوني» تحت شعار المحافظة على «حقوق المسيحيين» والتي يسوّق لها «حزب الله» ضد «تيار المستقبل» باعتباره يرفض انتخاب عون للرئاسة كان موقف زعيم «تيار المستقبل» حازماً بقوله «لسنا بوارد أي مواجهة على أساس طائفي لأن خلافنا محصور بالسياسة فقط»، وهكذا فوّت على كل القائمين وراء هذه المحاولات المشبوهة فرصة استغلالها وتوظيفها في إعادة شد عصب الجمهور المسيحي المنكفئ عن هذه الشعارات المرفوضة وتسعير الخلاف الطائفي والمذهبي في لبنان.
وفي الخلاصة، فإن دعوة الرئيس الحريري للتضامن بين كل اللبنانيين لإعادة الاعتبار للمؤسسات الدستورية وحماية الفكرة التي قامت عليها دولة لبنان من خلال الميثاق الوطني في الاربعينات وتجددت باتفاق الطائف لأن الوقائع أظهرت أنها الأنسب لبقاء لبنان وطناً موحداً ونموذجاً فريداً للتعايش بين المسلمين والمسيحيين في المنطقة التي تشهد حرائق ومتغيّرات مدمّرة، والبداية تكون بانتخاب رئيس للجمهورية كما ردّد أكثر من مرّة فهل هناك مَنْ يستجيب لمثل هذه الدعوة؟