أمام أكثر من 12 ألف كادر في تيار «المستقبل»، توجّه الرئيس سعد الحريري الى اللبنانيين بخطاب هادئ ورصين، بَعيد من التوتر والانفعال، وبدا واضحاً أنّ الحريري تقصّد أن يكون خطابه هذه المرة بعيداً كلّ البعد من لغة الاستفزاز والتحدّي أو المواجهة مع الطرف الآخر.
حقق «المستقبل» من حيث الشكل الهدف من وراء افطاره المركزي، وأثبت بالعين المجرّدة قدرته الفائقة على حشد الآلاف من مؤيّديه في 13 منطقة لبنانية توزعوا على المحافظات اللبنانية كافة. وأهميّة هذا العمل تكمن في ظلّ الحديث المستمرّ أخيراً من بعض الأطراف السياسية والسنّية تحديداً عن خفوت وتراجع تيار «المستقبل» وتنامي التيارات الاسلامية التي تُناصبه العداء في ظلّ الصراع المذهبي في المنطقة.
ولعلّ الصورة الأبرز وضوحاً، والردّ الأبلغ على هذا الكلام، جاء من طرابلس وعكار ومعظم الأقضية الشمالية التي يمكن القول إنها أرادت من خلال افطارها المركزي هذا العام أن تعبّر عن التزامها الواضح نهج «المستقبل» ورئيسه سعد الحريري.
طرابلس وعكار ومعها الأقضية اللبنانية كافة ارتضت أن تكون هذه المناسبة «استفتاءً» وردّاً نهائياً على كلِّ مَن حاول التشكيك قبل أيام من الافطار في قدرة «المستقبل» التجييرية، ومدى رغبة الناس في تلبية دعواته والقبول بالسقف الذي حددّه التيار في مواجهته كلّ أشكال التطرّف والعنف المذهبي والطائفي.
أكثر من ألفَيْ شخص غصّت بهم قاعة معرض رشيد كرامي الدولي وباحاته الخارجية عبّر من خلاله الطرابلسيون عن ولائهم الكامل للحريري وتياره، واستيائهم من محاولات التخريب والاشاعات التي أطلقها بعض الماكينات الاعلامية المحسوبة على مرجعيات سياسية محلية معروفة، كان هدفها إفقاد المناسبة أهميّتها وقيمتها ورونقها، خصوصاً في ظلّ الانتشار الواسع والمفاجئ الذي حقّقه هاشتاغ «يوم السعد لما يطلّ» عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليُسجّل أرقاماً قياسية على صعيد الشرق الأوسط ككلّ.
هذا من حيث الشكل، أما لجهة المضمون، فمن الواضح أنّ الحريري أراد أن يغلب على خطابه الطابع الوطني الجامع خصوصاً في ظلّ الأزمات الكبيرة التي تتخبّط بها المنطقة، والتي يحذّر الحريري اللبنانيين من الوقوع في أتونها، محدّداً موقفه من جملة قضايا:
أولاً: لجهة «التيار الوطني الحرّ»، لم ينجرّ الى أيّ صدام معه، على رغم كلّ الخطاب التحريضي والطائفي الذي ارتضاه العونيون لمواجهة «المستقبل»، بل على العكس ذكّرهم بالمحطات البيضاء التي جمعتهم مع تيار «المستقبل» والتي نتج عنها ولادة حكومة على رغم اعتراض الحلفاء في «القوات اللبنانية».
ولفت انتباههم الى أنّ كلّ القرارات التي اتخذها مجلس الوزراء كانت بإجماع وموافقة كلّ القوى السياسية بمَن فيهم وزراء «التيار الوطني الحرّ». أما لجهة التعيينات العسكرية، وخصوصاً تعيين قائد جديد للجيش اللبناني فبدا واضحاً أنّ الحريري لا يزال مصرّاً على تأجيل هذا الاستحقاق لموعده في شهر أيلول المقبل.
ثانياً: لجهة «حزب الله»، أكد الحريري في خطابه أنّ المشكلة مع الحزب مستمرة، وأنّ تدخّله في سوريا جلب الويلات الى اللبنانيين، وحذّرهم من أنّ استمرارهم في هذا النهج سيؤسس لجرح عميق بين الشعبين اللبناني والسوري في المدى المنظور، ودعاهم مع كلّ القوى السياسية الى وضع خطة استباقية لمواجهة الارهاب من خلال «منظومة وطنية يتولّاها الجيش والقوى الشرعية على الأراضي اللبنانية»، لا أن تتفرّد بها مجموعة لبنانية تأخذ أوامرها من منظومة اقليمية. مشيراً إلى أنّ تيار «المستقبل» لن ينجرّ الى الفتنة و»لعبة الدم بين الاخوة» ومعلناً أنّ الميليشيا ليست ملعبنا!
ثالثاً: لجهة انتخاب رئيس الجمهورية، أكد الحريري أنه لا يضع فيتو على أيّ شخصية لتوَلّي موقع رئاسة الجمهورية في حال حازت على إجماع وطنيّ، مشدِّداً على أنّ إعادة الاعتبار إلى المؤسسات الدستورية لا يتحقق إلّا بإنتخاب رئيس للجمهورية، «يمسك زمام القيادة ويجدّد الأمل الضائع بمفهوم الدولة».
ثمّة مَن يقول إنّ الحريري أشار في خطابه الى انتصاره الواضح على الجهات السياسية التي حاولت تركيب بدائل سياسية لمواجهة المستقبل في مناطقه وبيئته الحاضنة، مؤكداً أنّ الناس لا يزالون متمسكون بنهج واعتدال وحكمة تيار «المستقبل» ومؤسسه الرئيس الشهيد رفيق الحريري… وآلاف المشاركين في الافطار خير دليل!