مشاورات الحريري لإنهاء الفراغ الرئاسي ساهمت بتنفيس الإحتقان السياسي وبلورة وقائع جديدة
حشرت كل الأطراف لتحديد خياراتها وقلّصت هامش إمعان «حزب الله» بالتعطيل
إن تحرّك الرئيس الحريري وضع كل الأطراف السياسية أمام واقع جديد لم يعد بالإمكان تجاوزه
لا شك أن حركة زعيم «تيار المستقبل» الرئيس سعد الحريري التشاورية على القيادات السياسية والمسؤولين وزيارته للمرشحين للرئاسة، زعيم «تيار المردة» النائب سليمان فرنجية ورئيس «تكتل الإصلاح والتغيير» النائب ميشال عون لأول مرّة منذ خلو سدة الرئاسة قبل ما يقارب العامين ونصف العام وانفتاحه على خيار ترشح عون للرئاسة تحديداً، أدّت إلى إيجاد مناخ مختلف عن المرحلة السابقة وساهمت في بلورة وقائع جديدة وفي مقدمتها، تنفيس نسبي لأجواء الاحتقان السياسي الناتجة عن مقاطعة وزيري «التيار الوطني الحر» لجلسات مجلس الوزراء والحوار الوطني تحت عناوين «الميثاقية» و«المشاركة» والاعتراض على التمديد لبعض القيادات العسكرية لفترة إضافية وعلى رأسهم قائد الجيش العماد جان قهوجي، وثانياً تريّث الفاعليات الاقتصادية القيام بأي تحرّك أو إضرابات محتملة واعتراضات ضد ممارسات وسياسات تعطيل انتخابات الرئاسة من قِبَل بعض الأطراف السياسيين، وثالثاً إعادة تحريك ملف الانتخابات الرئاسية بفاعلية ووضع جميع المعنيين أمام مسؤولياتهم تجاه هذا الملف المهم والأساسي في إعادة إحياء مشروع الدولة وانتظام عمل المؤسسات الدستورية ووقف الانهيار الحاصل في بنية الدولة وإداراتها الرسمية.
وكان من الضروري كبح جماح الاندفاع نحو مزيد من الاحتقان السياسي والاحتكام للشارع للتعبير عن الاحتجاج السياسي، لئلا يجرّ ذلك إلى احتجاجات مقابلة من أطراف أخرى، الأمر الذي يزيد من حدّة الاشتباك السياسي وتداعياته المحتملة على الوضع الأمني في حال دخول أطراف متضررة تتربص بلبنان شراً ويزيد من تعقيدات الوضع السياسي المتأزم أصلاً.
ولذلك، فإن تنفيس الأجواء المشحونة، يساهم مساهمة فعّالة في الانتقال للبحث في الملفات السياسية وخصوصاً ملف الانتخابات الرئاسية بأجواء هادئة ومؤاتية نسبياً ومن خلالها يمكن التوصّل إلى قواسم مشتركة ترضي جميع الأطراف وفي إعطاء الأمل بإمكانية إيجاد حل لمسألة الانتخابات الرئاسية المعلقة والمباشرة بانتخاب رئيس للجمهورية بأقرب وقت ممكن.
ويطال هذا التفاؤل بحركة الرئيس الحريري أيضاً القطاعات الاقتصادية التي تشكو جرّاء تردي الوضع الاقتصادي نحو الأسوأ في الآونة الأخيرة بفعل تداعيات الفراغ الرئاسي وتأثر لبنان بالحرب الدائرة في سوريا وتفاعلاتها السلبية وسوء إدارة المسؤولين المعنيين للملفات الاقتصادية والاجتماعية على وجه العموم.
ومع أن حركة الاتصالات والمشاورات التي بدأها الرئيس الحريري باتجاه معظم الأطراف المعنيين، ما تزال متواصلة وبشكل يومي ولو بعيداً عن الإعلام في سبيل بلورة توجه معين للخروج من مأزق الانتخابات الرئاسية، إلا أن ما أدّت إليه حركة الرئيس الحريري أصبح ماثلاً للعيان وكانت باكورته تحرك النائب فرنجية بمشاركة نائب من نواب كتلته وهو اسطفان الدويهي في الجلسة الماضية لانتخاب الرئيس بعدما احجم عن المشاركة بأي نائب عن كتلته في الجلسات السابقة، الأمر الذي يعتبر في نظر البعض مؤشراً لمشاركة أوسع في الجلسات المقبلة واستمرار فرنجية بالترشح للرئاسة، في حين ان الانفتاح على خيار ترشيح النائب ميشال عون اسقط العديد من حواجز انعدام الثقة بين «التيار العوني» و«تيار المستقبل» وقلل من حملات الصدام والتهجم السياسي قياساً عمّا كان سائداً من قبل وإن كان ذلك لم يتوقف نهائياً بفعل حدة الخلاف السياسي السائد بين الطرفين طوال السنوات الماضية.
والاهم من كل ذلك ان هذا التحرّك وتقليص خيارات المرشحين للرئاسة وضع كل الأطراف السياسية امام واقع جديد لم يعد بالإمكان تجاوزه، الأمر الذي صعد الخلاف حول مسألة الضمانات المطلوبة والسلّة وما شابه من التفاهمات المسبقة، إما للاعتراض ورفض أحد المرشحين المطروحين أو كلاهما، أو لأن الطرف المعطل لانتخابات رئاسة الجمهورية وهو «حزب الله» ليس مستعداً لاجراء الانتخابات الرئاسية حتى ولو كان المرشح المطروح من حلفاء الحزب لاعتبارات لها علاقة بالموقف الإيراني الرافض للافراج عن الانتخابات قبل اجراء المقايضة المطلوبة مع الولايات المتحدة الأميركية بأمور ومسائل تخص الجانب الإيراني ومصالحه الذاتية.
ويبقى أن حركة الرئيس الحريري التشاورية بددت كل ما كتب وروج من اكاذيب وفبركات «حزب الله» بأنه المعطل لاجراء الانتخابات الرئاسية وفي الوقت ذاته قلصت إلى حدّ كبير هامش التهرب والتعطيل الذي يمارسه الحزب منذ بداية الفراغ الرئاسي وحتى اليوم وأكثر من ذلك أصبحت كل الأطراف معنية بتحديد مواقفها وتوجهاتها من المرشحين المطروحين أو أي مرشّح آخر.