صحيح أنّ القوى السياسيّة والحزبيّة في لبنان عقدت تحالفاتها الانتخابيّة انطلاقًا من مصالحها ومن حساباتها الدقيقة على مُستوى احتمالات الفوز والخسارة، لكنّ الأصحّ أنّ «تيّار المُستقبل» ذهب بعيدًا في هذا المنحى بشكل فاجأ الحُلفاء قبل الخُصوم، وتجاوز بأشواط ما فعله «التيّار الوطني الحُرّ» في هذا السياق. فهل من ارتدادات سلبيّة لهذا المنحى؟
بحسب أوساط سياسيّة مسيحيّة محسوبة على قوى «14 آذار» السابقة إنّ مَصلحة «نيّار المُستقـبل» الانتخابيّة طغت على تحالفاته السياسيّـة الاستراتيجـيّة التي كان نسجها منذ العام 2005 حتى الأمس القريب، بحيث راح يُطبّق الشعـار المعروف بـأنّ كل من ليس معي هو ضُدّي، ويتصرّف انطلاقًا من هذا الأساس. وأضافت أنّ الخلافات بين «المُستقـبل» و«الحـزب التقدّمي الاشتراكي» تتركّز حاليًا في دائرة «البقاع الغربي – راشيا» حيث استبعد «المُستقبل» عشـيّة انتهاء مُهلة إقفال اللوائح الانتخابيّة النهائيّة المُرشّح المُنتمي إلى «اللقاء الديموقراطي» أنطوان سعد لمصلحة مرشّحه عن المقعد الأرثوذسي غسان سكاف، حيث رأى الحزب «الاشتراكي» أنّ ما حصّل أضعف اللائحة ورفع من احتمال خرق نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي، بينما اعتبر «تيّار المُستقبل» أنّ إضعاف اللائحة يأتي من التعاطي مع المُرشّح سكاف كأنّه خصم ومن مُحاولة النائب وائل أوفاعور سحب أصوات تفضيليّة لمصلحته من قرى وبلدات سنّية في البقاع الغربي بشكل يُهدّد مُرشّحي «المُستقبل» عن المقعدين السنّيين ويرفع من احتمال تمكّن النائب السابق عبد الرحيم مراد من الخرق.
وتابعت الأوساط السياسيّة نفسها أنّ الخلافات بين «المُستقبل» وسالاشتراكي» امتدّت لتشمل دائرة «بنت جبيل – النبطيّة – حاصبيا – مرجعيون» حيث تُحاول أكثر من لائحة خرق محدلة لائحة «الثنائي الشيعي» باسم «الأمل والوفاء»، علمًـا أنّ تشـتت القـوى المُعـارضة على أكثر من لائحة أضعف حُظوظ الخرق. وأضافت أنّ المُفارقة اللافتة تتمثّل في تموضـع «تيّار المُستـقبل» (يدعم عماد الخطيب عن المقـعد السنّي) إلى جـانب كل من «التيّار الوطني الحُرّ» (يدعـم شـادي مسعـد عن المقعد الأرثوذكسي) و«الحزب الديموقراطي اللبناني» (يدعم وسام شروف عن المقعد الدرزي) ضُمن لائحة «الجنوب يستحقّ» حيث يطمح كل من هؤلاء بأنّ يخرق مرشّحه الخاص لائحة «الثنائي الشيعي». وقد أثارت زيارة رئيس الحكومة حاصبيا حيث كان في مُقدّم مُستقبليه الوزير طلال أرسلان المزيد من التوتّرات مع «الاشتراكي» الذي رأى في شكل الزيارة وفي طبيعة الاستقبالات التي رافقتها وفي مضمون الكلمـات التي ألقيت خلالها، مُحاولة لتطويقه أكثر فأكثر، ولتعويم خُصومـه السيـاسيّين لأهداف انتخابيّـة ضيّــقة لا تتجـاوز المقعد الواحد في أفضل الأحـوال. إشـارة إلى أنّه وفي حين عبّر النائب وليد جنبلاط عن امتعاضه بسقف منخفض، جاء انتقاد النائب وائل أبوفـاعر قاسـيًا، حيث قال إنّ للبيوت أبوابـها مُعـتبرًا أنّ «النـوافذ والمداخل الضيّقة لا تُعبّر عن حاصبيا»، الأمر الذي ردّ عليه النائب السابق مُصطفى علوش بانتقاد تقلّبات جنبلاط، وبربط جزء من مواقفه بمصالحه الخاصة.
ولفتت الأوساط السياسيّة عينها إلى أنّ الامتـعاض على سياسة رئيس الحكومة الانتخابيّة لا ينحصر بالاشتراكي، بل يشمل أيضًا حزب «القوّات اللبنانيّة» الذي يستغرب خُصوصًا تموضع «المُستقبل» انتخابيًا إلى جانب قوى تسعى لتحجيمه ولتطويقه في دائرتي «بشرّي – الكورة – البترون – زغرتـا» وزحلة، علـمًا أنّ 7 من أصل 8 نوّاب يُشكّلون كتلة «القوات» النيابـيّة حاليًا ينحدرون من هاتين الدائرتين. وأضافت الأوسـاط أنّ امتعاض «القوات» انطلق من أنّه إذا كان هدف «المُستقبل» انتخابيًا بحت ولا يخفي خلفيّات سياسيّة مُبطّنة، فكان عليه التحالف مع «القوات» قبل سواها في هاتين الدائرتين بالتحديد، حيث تُجمع كل الإحصاءات والدراسات على القُوّة التجييريّة العالية التي تتمـتّع فيها «القوات» فيهما. وتابعت أنّ «المُستقبل» يردّ في المُقابل على هذه الانتقادات بأنّ له حسابات انتخابيّة مُختلفة عن حسابات «القوات»، شأنه في ذلك شأن مختلف الأحزاب والتيّارات والقوى التي تخوض الانتخابات، وله أهداف سياسيّة بعـيدة المدى تـطغى على مُجـرّد تحـالف انتخابي ضيّق في هذه الدائرة أوتلك.
وخلصت الأوساط السياسيّة المسيحيّة المحسوبة على قوى «14 آذار» السابقة أنّ رئيس الحُكومة يستمرّ بمُفاجأة الحُلفاء ويُعرّض تحالفاته السياسيّة الاستراتيجيّة للاهتزاز من خلال بعض التصرّفات والمواقف، بدلاً من تهدئة الأمور مع حُلفاء المُستقبل الفعليّين منذ «ثورة الأرز» حتى تاريخه، على بُعد أقل من ثلاثة أسابيع من موعد الإنتخابات، بخاصة أنّ هذه القوى أي «المُستقبل» و«القوات» و«الاشتراكي» تخوض ثُنائيًا أو ثلاثيًا أكثر من معركة إنتخابيّة مُشتركة في العديد من الدوائر، ما يستدعي أن تكون العلاقة جيّدة جدًا وخالية من «الزكزكات»، وذلك من أعلى الهرم نُزولاً إلى القاعدة الشعبيّة. وأضافت أنّ المُشكلة الكبرى تكمن في اعتبار «المُستقبل» أنّ العديد من القوى السياسيّة الحليفة تريد أصوات مُناصريه لتعزيز حُظوظها في الربح، من دون مُراعاة أولويّة المُستقبل في الدفاع عن مقاعده النيابية قبل الدفاع عن ترشيحـات الآخـرين، حتى لو كانوا من أكثـر الحلـفاء الاستراتيجـيّين قربًا منه.