لم يعد سرّا من اغتال رفيق الحريري. ستحدّد المحكمة الخاصة بلبنان في حكمها المتوقع صدوره في السابع من آب المقبل من هم الأشخاص الذين تولوا تنفيذ الجريمة في الرابع عشر من شباط 2005. ما لا يزال غير واضح، بالنسبة الى كثيرين، لماذا كان كلّ ذلك الإصرار على التخلّص من رفيق الحريري؟
بالنسبة الى الذين لديهم أي تساؤلات في هذا الشأن، جاءت السنة 2020 بالجواب. كان مطلوبا تحويل لبنان الى ارض طاردة لاهلها. هذا ما تحقّق الآن. هذا ما قاومه اللبنانيون طويلا قبل وصولهم الى مرحلة الاستسلام لقدرهم البائس… في ظلّ «حكومة حزب الله» برئاسة حسّان دياب و»عهد حزب الله» الذي بدأ في 31 تشرين الاوّل 2016.
يعيش لبنان حاليا ازمة مصيرية. ما استطاع هذا العهد عمله في ثلاث سنوات وتسعة اشهر انجاز ضخم في سلبياته. يكفي ان اللبنانيين فقدوا شيئا اسمه الامل في المستقبل. اصبح لبنان معزولا عربيا ودوليا. لم يعد من وجود لكهرباء. لم يعد هناك نظام تعليمي قابل للحياة. مئات المدارس الخاصة ستغلق أبوابها قريبا. الليرة انهارت. اللبناني جائع. فوق ذلك كلّه، انهار النظام المصرفي الذي يشكل العمود الفقري للاقتصاد اللبناني. لا يوجد بلد في العالم يشبه لبنان. سرقت الدولة أموال اللبنانيين المودعة في المصارف. تحوّل اللبناني شحادا على أبواب فروع المصارف التي تحتجز أمواله في غياب من يقول له ما مصير هذه الأموال…
اختلفت البيئة التي يعيش فيها اللبنانيون الذين بدأوا يعون شيئا فشيئا ان كلّ ما في بلدهم تغيّر. لبنان لم يعد لبنان. من المدرسة، الى الكهرباء، الى المصرف، الى الحياة اليومية للفقراء والاغنياء ومتوسّطي الحال.
لا يبدو انّ الامر كان مرتبطا بالتخلّص من رجل بمقدار ما انّ المطلوب كان التخلّص من البلد كلّه ومن شعبه الذي بات يبحث عن مكان يذهب اليه. يحدث ذلك في ظلّ ظروف إقليمية ودولية في غاية الصعوبة. لا الخليج لا يزال الخليج في ضوء انتشار كورونا وهبوط أسعار النفط والغاز ولا أوروبا لا تزال أوروبا المستعدة لاستقبال لبنانيين يبحثون عن مكان يستقرون فيه.
حتّى فرنسا، «الام الحنون» بدأت تيأس من لبنان بعدما تبيّن انّ العهد وحكومة دياب عاجزان عن تنفيذ أي إصلاحات مطلوبة… او لا يرغبان في ذلك. وفّرت فرنسا، عرّابة مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في نيسان 2018، فرصة كي يخرج لبنان مما هو فيه ويتفادى الانهيار. يعرف الطفل من عرقل «سيدر» ولماذا لم يتمكن لبنان من الاستفادة منه بسبب «العهد القويّ» والقوة المسلّحة المعروفة التي تقف خلفه.
يدفع لبنان ثمن التدهور المستمرّ الذي بدأ يوم اغتيال رفيق الحريري، على يد عناصر من «حزب الله»، استنادا الى الادعاء العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. يشير القرار الاتهامي أيضا الى تواطؤ كامل بين الخليّة التي نفّذت الاغتيال من جهة والنظام السوري، على اعلى مستوى، من جهة أخرى.
لم يتوقّف الامر عند اغتيال رفيق الحريري. بين 2005 و 2020، صبّت كلّ ممارسات مرتكبي الجريمة وأولئك الذي غطوها في وصول لبنان الى ما وصل اليه. هناك عهد لا علاقة له لا بما يدور في لبنان ولا بما يدور في المنطقة والعالم. جاء العهد للانتقام من لبنان المرتبط بثقافة الحياة وبمحيطه العربي وبالمجتمع الدولي. ترمز حكومة حسّان دياب الى كلّ المصائب التي يعاني منها لبنان واللبنانيون. يتبيّن كلّ يوم انّها حكومة تعيش في عالم لا علاقة بهذا العالم ولا تدرك معنى العزلتين العربية والدولية للبنان واسبابهما.
يهرب حسّان دياب يوميا من الواقع، هذا اذا كان يمتلك مؤهلات تسمح له بان تكون له صلة ما به. مثير للحيرة ما قاله رئيس مجلس الوزراء عن أنّ «ما سمعناه من أشقائنا في الدول العربية عن الاتصالات التي حصلت معهم من بعض السياسيين اللبنانيين مخجل فعلا». هل يعرف حسّان دياب ما هو وضع الكويت وقطر والعراق وظروف كلّ منها، كي يتحدث عن مساعدات يحصل عليها لبنان من هذه الدول الثلاث؟
مؤسف انّ حسّان دياب لا يعرف شيئا في ايّ موضوع كان. لو كان يعرف شيئا لكان حدّد من هو الشقيق العربي، الذي وشى بسياسيين لبنانيين مجهولي الهوية يضعون العراقيل في وجه حكومته. من هو هذا الشقيق العربي؟ من هم هؤلاء المسؤولون اللبنانيون؟ يبدو ان حسّان دياب يفضّل التعاطي مع المجهول تفاديا لدخول عالم المعلوم.
ما هو مؤسف آخر انّه لا يريد اخذ العلم بمن أوصل لبنان الى قطيعة مع العرب ومع العالم. لا يريد اخذ العلم خصوصا بانّ لا حاجة الى من يحرّض على حكومته في وقت تحوّل فيه لبنان الى قاعدة للهجمات على كلّ ما هو عربي في المنطقة. من الواضح انّ رئيس الحكومة اللبنانية لا يسمع خطب الأمين العام لـ»حزب الله» النارية تجاه دول الخليج العربي. من الواضح اكثر انّه لا يعرف شيئا عن الولايات المتحدة وعن الإدارة الحالية التي فرضت عقوبات على ايران بعد تمزيقها الاتفاق في شأن ملفّها النووي. اكثر من ذلك، لا يدري شيئا عن «قانون قيصر» وتأثيره على لبنان…
بين المجهول والمعلوم، يبقى الثابت الوحيد انّ لبنان اصبح ارضا طاردة لأهلها. ما لم يتحقّق مباشرة بعد اغتيال رفيق الحريري، يتحقّق الآن في «عهد حزب الله» و»حكومة حزب الله».
كانت ولادة العهد والحكومة نتيجة مباشرة لجريمة اغتيال بشعة لم تستهدف رجلا بحدّ ذاته بمقدار ما استهدفت لبنان واللبنانيين جميعا.