تسمية المدانين وارتباطاتهم الحزبية والكشف عن جوانب الأهداف السياسية للجريمة
يكتسب الحكم المرتقب صدوره عن المحكمة الخاصة بلبنان في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه يوم الجمعة المقبل أهمية خاصة لمعظم اللبنانيين والعرب وخصوصاً لمحبي الرئيس الراحل التواقين لمعرفة الحقيقة كاملة في كل ملابسات هذه الجريمة النكراء بعد طول انتظار، وكون هذا الحكم يحمل في طيّاته أبعاداً ومؤشرات عديدة، لا بدّ وأن تترك مفاعيلها المستقبلية ولو جزئياً على الواقع السياسي وعلاقات الأطراف مع الجهات الحزبية «حزب الله» التي ينتمي إليها المدانون بهذه الجريمة، بالرغم من كل محاولات حصر تداعياتها في حدود ضيقة لا تمسُّ أسس العيش المشترك بين كافة مكونات الشعب اللبناني.
ولعل من أهم مدلولات وأبعاد إنشاء المحكمة الخاصة وإنجاز مهماتها باصدار الحكم النهائي بهذه الجريمة الإرهابية بامتياز، بأنها أوّل محكمة تنشأ من هذا النوع في المنطقة ولبنان لتتولى ملاحقة مرتكبي هذا النوع من الجرائم السياسية، وقد استطاعت تجاوز كل المعوقات والصعوبات والتعقيدات والترهيب المنظم للقوى الحزبية والسياسية المحلية والإقليمية، وانجزت مهماتها باجراء التحقيقات الميدانية المطلوبة بالتعاون مع قلة من الضباط والمسؤولين الأمنيين اللبنانيين الذين ضحى بعضهم بأرواحهم ونجحت بوضع تُصوّر متكامل لكل وقائع ارتكاب هذه الجريمة، منذ التخطيط الأوّل وبدء التحضيرات اللازمة وتحديد كافة مراحل التنفيذ وتسمية المشاركين الحزبيين مع تحديد دقيق لرتبهم ومهماتهم الحزبية وكيفية تنفيذ الجريمة ميدانياً لحظة بلحظة.
ولولا قيام هذه المحكمة التي تولى فريقها المتخصص والمهني بهذه المهمة، لكان صعباً أو يكاد يكون مستحيلاً للقضاء اللبناني القيام بمثل هذه المهمة الصعبة والشديدة الخطورة في ظل انحسار سلطة الدولة وهيمنة السلاح الحزبي وتسلطه امنياً على مفاصل حسّاسة في السلطة، امنياً وقضائياً، لا سيما وان العديد من جرائم الاغتيال أو محاولات الاغتيال التي ارتكبت من قبل جهات حزبية معروفة أو من قبل قوى الأمر الواقع السورية التي كانت تسيطر على لبنان، تمت لفلفتها ومنعت التحقيقات بخصوصها لاخفاء مسؤوليته وهوية مرتكبيها.
اما المدلول أو البعد الثاني لحكم المحكمة الدولية، فهو ما يعنيه تسمية المدانين بهذه الجريمة النكراء مع تحديد مواقعهم ورتبهم الحزبية، وهو الأهم في مضمون الحكم وما قامت به المحكمة بهذا الخصوص.
فبالرغم من عدم توجيه الإدانة للحزب الذي ينتمي إليه المدانون بهذه الجريمة في الحكم الصادر وحصر الإدانة بهؤلاء الأفراد تحديداً، الا ان تسليط الضوء بالوقائع على كيفية التخطيط والتحضيرات المتشعبة والدقيقة والامكانيات اللوجيستية المعقدة والعناصر البشرية التي تولت الاشراف على تنفيذ هذه الجريمة، يظهر بوضوح للرأي العام أينما كان ان ارتكاب هذه الجريمة لم يحصل بفعل رغبة شخصية منفردة لهؤلاء المدانين المحدودي العدد، وإنما بقرار على مستوى أوسع من المسؤولين الحزبيين، لأنه لا يمكن لهؤلاء الأفراد المدانين تنفيذ مثل هذه الجريمة بمفردهم من دون غطاء سياسي من قيادتهم مهما تفنَّن البعض في ابعاد الشبهة عن المسؤولية المشتركة أو حاول التنصل من تورطه فيها، في حين تظهر الوقائع وردود الفعل السياسية عن القيادة الحزبية بعد ارتكاب جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومحاولتها لطمس الأدلة ومنع اجراء التحقيقات المطلوبة فيها، تورطها بالمشاركة بشكل أو بآخر، اما الجانب الآخر فهو مجاهرتها ورفضها المتواصل لتسليم المطلوبين للمحكمة ومنع اجراء التحقيقات معهم تحت أي ظرف كان.
فهذه الإدانة لهؤلاء المرتكبين من ارفع منبر قضائي دولي، تعني انكشاف «حزب الله» برمته على حقيقته وتحوله من حركة لمقاومة إسرائيل يتغطى بها امام الداخل والخارج، إلى أداة حزبية إيرانية يتولى بعض مكوناتها تنفيذ جرائم الاغتيال السياسي والفكري ضد الشخصيات الوطنية اللبنانية وغيرها، وهو يتحمل في مكان ما مسؤولية اغتيال زعامة سياسية لبنانية وعربية وإسلامية بحجم الرئيس رفيق الحريري بالرغم من كل محاولات التنكر والانكار، وهذا ما بدا يتكشف من خلال انخراط الحزب بكل ثقله فيما بعد بتنفيذ مشروع الهيمنة الإيراني للسيطرة على سوريا وغيرها من الدول العربية، وتحويل سلاحه للاستئثار والتحكم بالواقع السياسي الداخلي اللبناني، بالرغم من التداعيات السلبية لهذا التحوّل على لبنان كدولة وكيان.
ولعل، ما يعيشه اللبنانيون حالياً وحالة الانهيار التي وصل إليها لبنان، تعطي الدلالة الواضحة على ما سعى إليه مرتكبو جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وهو الاستفراد بالتسلط على لبنان وإلحاقه بالمحور الإيراني خلافاً لرغبات وإرادة معظم اللبنانيين، لأن وجود رفيق الحريري بثقله كان يقف حائلاً امام تحقيق اهدافهم المشبوهة.