«تفاهم معراب» خربَط رهانات واستراتيجيات وتكتيكات وخلط الأوراق لدى قوى 8 و14 آذار
وما إن أقلعت طائرته حتى أجرى اتصالاً بوزير الخارجية جبران باسيل الذي كان ينتظر على أحرّ من الجمر نتائج مباحثاته مع المسؤولين السعوديين حول قراره بتأييد ترشيح العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية. وفي ذلك الاتصال، بَدا الحريري متفائلاً، ومعتبراً أنّ الوقت حان لإعلان موقفه المؤيّد لترشيح عون.
فالحريري كان قد التقى وليّ وليّ العهد الامير محمد بن سلمان، إضافة الى مدير المخابرات خالد حميدان، وهو سمع من الاثنين الجواب نفسه «أنت أدرى بكيفية التعاطي مع مسائل بلدك». صحيح أنّ الجواب بقيَ عامّاً يفتقد الى الوضوح المطلق وهو ما يعني أنّ الضوء بقي أصفر ولم يتحوّل الى الاخضر، إلّا أنّ الحريري اعتبره كافياً ووافياً ليُقرّر الانطلاق في مشواره الصعب.
قبل اتصال الحريري كان قد وصل الى مسامع الرابية أنّ الوزير وائل ابو فاعور نقل أجواء سلبية عن مدير المخابرات السعودية. وقيل إنّ ابو فاعور سمع بأنّ السَّير بترشيح عون مسألة خطيرة. وعندما حاول باسيل التأكد من الجو الذي نقله ابو فاعور، سمع بأنّ وزير الصحة اللبناني لم يلتقِ حميدان بل أربعة من كبار ضباط المخابرات السعودية.
في كل الاحوال، فإنّ الحريري الذي وافاه مدير مكتبه نادر الحريري الى باريس، سيعلن الاسبوع المقبل موقفه الذي طال انتظاره، وهو سيختار مقابلة تلفزيونية على الأرجح للإدلاء بما لديه متجنّباً الاعلان عن ذلك بعد اجتماع كتلته النيابية، ولذلك أسبابه.
فالإعلان لن يكون حاسماً بما فيه الكفاية، أيّ انّ الجواب لن يكون واضحاً ومبرماً، بل في إطار مناخ ايجابي، ولذلك فهو يفضّل حواراً ونقاشاً يسمح بملامسة الموضوع بدل العبارات التي تكون جامدة وملزمة كما يحصل عادة مع البيانات الرسمية.
أضف الى ذلك أنّ الاجواء السلبية هي التي تسود اعضاء كتلته النيابية، وخلال الاجتماع الاخير للكتلة أدلى معظم النواب بمداخلات معارضة لخيار عون. فلماذا هدر الوقت بنقاشات داخلية مرهقة قد تؤدي ربما الى تعديل بعض العبارات للبيان الرسمي؟
وفي باريس، أبلغ الحريري النائب وليد جنبلاط قراره النهائي من الاستحقاق الرئاسي، فما كان من جنبلاط إلّا ان بدّل موقفه معلناً ضرورة حصول الانتخابات الرئاسية أيّاً يكن اسم الرئيس المقبل، بعدما كانت مواقفه معارضة ومعترضة طوال الاسابيع الماضية.
لكنّ تأييد الحريري «الناعم» لترشيح عون لن يعني أنّ لحظة الانتخابات دَنَت، فما يزال هنالك الكثير من الجهد قبل أن تنضج جلسة الانتخاب. وصحيح أنّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله جدّد التزامه تأييد ترشيح عون، لكنه لفت الى ضرورة التفاهم مع الرئيس نبيه برّي والنائب سليمان فرنجية.
عندما طلب بري حصول تفاهمات تسبق انتخاب رئيس الجمهورية، ثارت في وجهه اعتراضات كبيرة خصوصاً في الوسط المسيحي. كان عون قد برّر يومها عدم فتح المزيد من أبواب التشاور تجنّباً للمزيد من الالتزامات وتوزيع الجوائز.
لكنّ الواقع اليوم اصبح مختلفاً، فالتشاور بات ضرورياً للوصول الى قصر بعبدا والأهم أنّ هذه المشاورات خصوصاً مع بري تنقسم الى شقين، الأول له علاقة بالحسابات الداخلية والثاني له علاقة بترتيب التوازنات الداخلية بعد وصول عون الى قصر بعبدا والتعديلات التي طرأت على المعادلة الداخلية.
في العام 2007 جرى في الدوحة تكريس معادلة حكم هدفت لإرساء استقرار داخل الحكومة من خلال طمأنة الفريقين الأساسيين: رئاسة الحكومة لـ«المستقبل» مع غالبية وزارية والثلث المعطّل لـ»حزب الله» وحركة «أمل» بحيث يستحيل أخذ أحد الفريقين من الخلف.
تعرّضت هذه الصيغة لضربة قوية مع إسقاط حكومة الحريري، لكنّ النتيجة جاءت مع اضطراب مستمر في الشارع طوال وجود حكومة الرئيس نجيب ميقاتي.
امّا اليوم، فإنّ الحريري يطلب العودة الى رئاسة الحكومة مع ضمانة من عون ومن «حزب لله» خصوصاً بعدم إسقاط الحكومة كما في المرة السابقة. وفي المقابل، سيتمسّك «حزب الله» بالثلث المعطّل ولكن وفق الترتيب الجديد. ذلك أنّ عون سيكون الرئيس والحكم، وبالتالي فهو لن يعود فريقاً او طرفاً، ما يعني انّ الثلث المعطّل سيرتكز على فرقاء آخرين ما زالوا يحتسبون كأطراف.
لذلك، هنالك همس حول إشراك دائم لفرنجية وبحقيبتين، اضافة الى حقيبة لرئيس حزب «التوحيد العربي» وئام وهّاب كما لرئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال ارسلان وربما الحزب السوري القومي الاجتماعي.
خلال المقابلة التي أجراها الزميل مرسيل غانم مع باسيل، نجح الأخير بطمأنة الحريري في نقطتين، الاولى تتعلق بالسعودية وفك الاشتباك معها، والثانية تتعلق بالوجود العسكري لـ»حزب الله» في سوريا. وفي الاساس شكّلت هاتان النقطتان جزءاً من المفاوضات التي دارت طوال الاشهر الماضية بين عون والحريري من خلال باسيل ونادر الحريري.
وربما هذا ما سيجعل «حزب الله» يفتّش عن صيغة جديدة للثلث المعطّل، خصوصاً أنّ المنطقة تزداد اشتعالاً، وهي حتى لو اتجهت الى المفاوضات فإنها ستكون المفاوضات الأصعب والأكثر دقة، فيما في لبنان يجري تركيب سلطة ستُمسك بالقرار السياسي لسنوات عديدة.