يحتار الرئيس سعد الحريري كيف يستعيد الإمساك بزمام الأمور، في وقت تتراكم فيه الأزمات. بين الهجوم الكلامي على حزب الله، والتحذير من الحرب والفتنة في لبنان، كما الحرب في سوريا، يبرّر الحريري استمرار الحوار مع الحزب، في ظلّ ورشة تنظيمية بدأها بإقالة منسقيات تيار المستقبل في المناطق
شنّ الرئيس سعد الحريري أمس، هجوماً «كلامياً» على حزب الله، خلال رعايته إفطاراً على شرف عائلات من زحلة والبقاع الأوسط وبعلبك في شتورا. وحمّل الحريري حزب الله مسؤولية وصول البلاد إلى هذه الحال من الفوضى والفراغ في رئاسة الجمهورية، وأن حزب الله يأتي بالأزمات إلى لبنان، ولا سيما العقوبات العربية والأميركية، محاولاً فصل «ممارسات» الحزب، عن الطائفة الشيعية. غير أن كلام الحريري و«سقوفه العالية»، لا تتناسب مع إعلان الحريري استمراره في الحوار مع الحزب، فبدت كلماته كالفقاعة الإعلامية، لتبرير متابعة الحوار أمام جمهوره، في وقت يستخدم فيه آخرون لغة التشدّد والعداء للمقاومة وسوريا وسيلة للتحشيد والتمدّد، كالوزير أشرف ريفي.
وأكمل الحريري أيضاً تبريره لضرورة الاستمرار في الحوار مع حزب الله بدل الصدام (بعدما أشار قبل يومين إلى أن الحوار مستمر طالما أن هناك من يعمل على الفتنة)، بعرض الواقع السوري المرير أمام البقاعيين، متوجّهاً إليهم بالقول: «عندما أكون واقفاً هنا معكم، يخطر في بالي كل من ينظّر ويزايد على خياراتنا الوطنية، وأطلب منكم أن تدعوه ليأتي إليكم وتأخذوه من يده على بعد مرمى حجر من هنا، ليرى بعينه ماذا يحصل في سوريا، ثم تعيدوه ليفطر معنا في هذه البقعة من لبنان. فعندها قد تتضح له الصورة أن هذه النار إذا سمحنا لها بأن تصل إلينا فما الذي يمكن أن يحصل». وتابع: «في سوريا أصبح هناك نصف مليون قتيل و8 ملايين نازح ومهجر… ومئات البلدات والمدن المدمرة عن بكرة أبيها»، مضيفاً: «أنا غير مستعد، لا من أجل مزايدات، ولا من أجل انتخابات، أن أسمح لأهلي بأن يتعرضوا هنا في البقاع وفي لبنان لما يتعرض له إخوتنا في سوريا».
ويعوّل كثيرون على إقامة الحريري إفطارين متتاليين في البقاع لعلّها تعيد ضخ الحياة في جسم تنظيم تيار المستقبل المنهك، في وقت يسأل فيه آخرون عمّا إذا كان الحريري سينجح في لململة صفوف تياره، وكيف يمكن أن يعالج الأزمات التي انتجتها الانتخابات البلدية.
ولم يحظ قرار الحريري الذي أعلنه على الملأ خلال إفطار أول من أمس، بالضجّة الكافية، مع أنه أعلن استقالة جميع منسقيات التيار، واضعاً إياها في حالة تصريف الأعمال، كما دعا المحازبين إلى انتخاب ممثلين عنهم في المؤتمر العام الذي يعدّ له التيار في الخريف المقبل.
وبحسب مصادر مستقبلية، فإن الحريري قبل وصوله البقاع، اطلع على الواقع من خلال ورشة عمل ومشاورات مع فعاليات المنطقة ورؤساء بلديات، وقادة التيار، مشيرةً إلى أن «الحريري يعترف بأن نتائج الانتخابات البلدية كانت بمثابة اختبار لقيادة التيار ومحازبيه، وكانت النتيجة فشل بعض القادة ومنهم قادة البقاع والشمال». ولم يعد خافياً أن الحريري «متوجه نحو تغيير جذري في هيكليته القيادية للمناطق»، لكنّ هذا التوجّه بحسب مصادر مستقبلية: «أقلق قيادة البقاع الأوسط نتيجة اخفاقها في الانتخابات البلدية، ما أعاق انتخاب رئيس ونائب رئيس لاتحاد بلديات البقاع الأوسط، واتحاد بلديات البحيرة». فعملية تأجيل انتخاب رئيس ونائب رئيس لاتحاد بلديات الأوسط، يعود لاخفاق قيادة المستقبل بايجاد صيغة ترضي رؤساء البلديات، بعدما خسر التيار معركته في بلدتي قب الياس وبرالياس، ثم ليذهب منسق البقاع الأوسط أيوب قزعون، إلى إبرام اتفاق داخل بلدية قب الياس، طالباً تمثيل ضرغام توما بلدية قب الياس في الاتحاد، تمهيداً لانتخابه رئيساً للاتحاد، مقابل تصويت 8 أعضاء محسوبين على ضرغام في البلدية لمصلحة جهاد المعلّم رئيساً للبلدية.
غير أن قزعون، لم ينجح في إقناع البلديات المنضوية بالاتحاد بتوما رئيساً، بحيث أن العرف يقول إن الرئيس سني ونائبه مسيحي، فجرى التوافق على أن يكون نائباً للرئيس. ولأن اتحاد بلديات الأوسط مؤلف من سبع قرى، تحوّل صوت قب الياس الى «ملك»، بحيث أن المرشحين لرئاسة الاتحاد، رئيس بلدية مجدل عنجر سعيد ياسين تؤيّده ثلاثة أصوات، ورئيس بلدية بوارج محمد البسط تؤيده ثلاثة أصوات، والاثنان قبلا أن يكون توما نائباً للرئيس! وتشير أوساط المستقبل في البقاع، إلى أن الحريري لدى اجتماعه برؤساء البلديات، حاول السير بين النقاط، لارضاء كافة الأسماء، و«من الصعب أن ينجح في هذه المهمة». أما في البقاع الغربي، فيحمّل التيار الازرق مسؤولية حل مشكلة انتخاب رئيس ونائبه لاتحاد بلديات البحيرة، إلى الآلية التي اعتمدها الوزير السابق محمد رحال في الانتخابات البلدية، و«انتخابه الكيدي ضد العائلات لمصلحة لوائح (نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي) الفرزلي و(رئيس حزب الاتحاد عبد الرحيم) مراد» بحسب أحد قادة التيار في البقاع الغربي. الفشل في الأوسط والبحيرة، لم ينعكس على راشيا والسهل، حيث نجح عضو كتلة المستقبل النيابية زياد القادري في ايجاد تسوية وتحالف مع الحزب التقدمي الاشتراكي في انتخاب رئيس اتحاد بلديات قضاء راشيا، رئيس بلدية البيرة فوزي سالم المحسوب على المستقبل. أما في السهل، فقد انعكست مصالحة مراد ـــ الحريري إيجاباً، لإيصال رئيس بلدية غزة محمد المجذوب رئيساً لاتحاد بلديات السهل.