يعكس المشهد السياسي المتعلق بأزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري انتصارا لرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي أصرّ على موقفه بضرورة الاستماع اليه بعد عودته من السعودية للتعاطي مع الأمر رابطا بين الظروف القاهرة التي املت على الحريري اتخاذ هذا الموقف واحتمال العودة عنه في حال كان في لبنان، اذ حتى حينه كسب عون جولة في حرب ستطول مع السعودية اثر تريث الحريري في حسم أمره كما سيربح عون الجولة الثانية بطرحه مطالب الحريري للحوار الوطني ويدخلها في مسلك طويل بما من شأنه أن يطيل فترة التريث سيما أن قوى الممانعة أظهرت مرونة في تعاطيها المسبق مع اسباب استقالة الحريري من السعودية.
فقد كان مرتقبا أن يحضر الحريري الى لبنان منطلقا من قراره بالاستقالة من السعودية وعلى وقع بيان مجلس وزراء الخارجية العرب لينهي الامر بتقديم استقالته الى رئيس الجمهورية وتدخل البلاد في مرحلة جديدة لا يتوفر فيها غطاء سني – سعودي -عربي للعهد الحالي بما يحمل هذا الأمر من مضاعفات وترددات. لكن سواء دخلت وساطة فرنسية – مصرية أم لا فأن الذي حصل هو ان الحريري والطائفة السنية في لبنان تظللا بغطاء عون الذي بدا ووزير الخارجية جبران باسيل انهما المنقذان للحريري من احتجازه في الرياض، وهي مبادرة قدّرها زعيم المستقبل الذي تضمنت كلمة التريث من قصر بعبدا شكرا لرئيس الجمهورية وسائر القوى والمسؤولين الذين كانوا الى جانبه في الأزمة. وهو ما راهن على عون والمحيطين به بأن الحريري خارح السعودية يختلف عن ما هو في داخلها ولن يجد له ملاذا آمنا بعد خروجه منها سوى جناح عون الذي قاد معركة انقاذه.
وفي وقت لم يتضح بعد عما اذا كان قرار التريث يستند الى تفاهم مع الرياض، فأن المراقبين يجدونه مرتبطاً بدخول فرنسا ومصر على خط تطويق الازمة والحد من تداعياتها والحدّ من مفاعيلها السلبية. لكن ثمة معطيات موثوقة مفادها أن زعيم المستقبل لم يكن على اتفاق مع السعودية في موقفه بالتريث لأنها كانت تريد قلب الطاولة بسحب الغطاء السني -العربي -السعودي الذي يمثله الحريري عن العهد الحالي،
اذ تقول المعطيات بان رئيس الحكومة لم ينسّق هذا الموقف مع السعودية ولم يتفق معها على آلية ادارة استقالته بل هو «راح للآخر» في قراره مخالفا في ذلك التمايز عن الخيار السعودي دون اللجوء الى اي خطوة انقلابية او تشكل اعتداء عليها من على الساحة اللبنانية ويستند الحريري الى قناعة مفادها بان ميزان القوى ليس لمصلحة السعودية في المنطقة وبذلك لا يريد ان يأخذ البلاد الى مغامرة هادفا بذلك الى رسم خط سياسي جديد سيسعى الى ترسيخه بالتعاون مع رئيس الجمهورية
وفي المعطيات ايضاً بان الحريري سيكون ملتزما بدفع لبنان لتطبيق سياسة النأي بالنفس ومحاولة اقناع قوى الممانعة بذلك دون أي خطة عملية حتى حينه للمرحلة المقبلة سوى الاستناد الى المواقف السياسية التي سمعها من هذه القوى والمواقف الأخيرة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، الذي لمس تغيرا في مواقفه السياسة وفق توجه يدفعه الى التفاؤل بأن البلاد قد تتجه الى منحى جديد محايد عن أزمات المنطقة ومحاورها
ويرى رافضون للتسوية الرئاسية بين عون والحريري بأن رئيس المستقبل سيكون كمن «يلحس المبرد» بحيث أنه اقتنع بمهادنة الممانعة التي تجيد الانكفاء وابعاد المواضيع الخلافية عن الواجهة من أجل تأمين مناخ للانتخابات النيابية يبدو فيها الحريري غير قادر على تبني خطابا مناهضاً لحزب الله اضافة الى احتمال تحالفه مع التيار الوطني الحر بعد اتساع الهوة مع حلفائه المسيحيين سابقا ،بحيث يحصد فريق 8 آذار حينها الغالبية النيابية ويعيد الحريري الى رئاسة الحكومة وفق شروط جديدة وتسقط عندها سياسة الحياد او الناي بالنفس مع ما تحمل هذه الخطوة من مضاعفات سابقة او لاحقة من دول مجلس التعاون الخليجي.