الأزمة المالية تهدد «المستقبل» ومؤسساته.. والسعودية تتفرج
الحريري يصرف 700 شخص من قطاع الأمن والحراسة
لا يكاد «تيار المستقبل» يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى، وكل ذلك نتيجة الشحّ المالي الذي بلغ مداه وأرخى بثقله على كل مؤسساته حتى وصل الى حراس الأمن الشخصيين، المولجين بتأمين الحماية لكل المكاتب والمقرات والوزراء والنواب والقيادات في التيار، والذين أبلغوا بأن شهر حزيران هو الشهر الأخير لهم في الوظيفة، وأن عليهم مراجعة الدائرة القانونية التي ترعى شؤونهم، لتسـوية أوضاعهم وقبض رواتبهم المتأخرة وصرف تعويضاتهم.
وتأتي هذه الخطوة مقدمة لخطوات متدحرجة ستشمل قطاعات أخرى في «التيار»، مثل جهاز المرافقين (معظمهم من السائقين)، ومن ثم الموظفين في بعض المقار والمؤسسات الحزبية، وصولا الى المؤسسات الاعلامية التي يجري نقاش حول جدوى استمرار فتح بعضها (مثل جريدة «المستقبل» وموقع «المستقبل»)، فضلا عن اعادة ترتيب أوضاع تلفزيون «المستقبل».
هذا الواقع المالي المرشح بأن ينسحب على كل مؤسسات «المستقبل» يطرح تساؤلات جدية ضمن «البيت الأزرق» الداخلي، حول مستقبل «التيار» وإمكانية استمراره على الصعيد السياسي والوطني، في ظل عجزه عن مواجهة أي استحقاق، وانعدام قدرته على تقديم أية خدمات أو مساعدات لقاعدته الشعبية، أو دفع الرواتب المتوجبة عليه لموظفيه.
وتنسحب هذه التساؤلات أيضا، على الموقف الرسمي السعودي من الرئيس سعد الحريري وأزمته المالية؟ وهل ما يزال الموقف السعودي موحدا تجاهه؟ أم أن ثمة تباينات بين الأمراء السعوديين وخصوصا بين المحمدين (بن نايف وبن سلمان) حيال التعاطي السعودي مع الحريري؟ وماذا تريد المملكة من الحريري بالتحديد وهل ما يزال يشكل خيارها السني الأول في لبنان، واذا كان كذلك، لماذا هذا التمادي في معاقبته ماليا بهذا الشكل الذي بات يهدد وجود تياره، وهل يعقل أن لا يتدخل الأمن السعودي لانهاء عملية تحطيم مكاتب كبار الموظفين في «سعودي أوجيه» الا بعد ساعات من بدء الاحتجاجات؟.
ثمة إرتباك غير مسبوق يخيم على «تيار المستقبل» خصوصا بعد أن تم إبلاغ كل العاملين في قطاع الأمن والحراسة بأن القرار قد اتخذ بصرفهم من الخدمة. وتشير المعلومات الى أن عدد هؤلاء يتراوح ما بين 600 الى 700 شخص سيجدون أنفسهم إبتداء من أول تموز المقبل عاطلين عن العمل، في حين سيجد كثير من الوزراء والنواب الحاليين والسابقين والقيادات «المستقبلية» أنفسهم من دون حماية شخصية، إلا من الحراسة الرسمية التي توفرها الدولة اللبنانية للوزراء والنواب الحاليين، على أن يجد «مستقبليون» كثر في الأسابيع المقبلة من دون من يتولون قيادة سياراتهم!
وعلمت «السفير» أن عددا من النواب والقيادات ممن يعتبرون أنفسهم مهددين أمنيا، اعترضوا على هذا القرار، وأكدوا أنه لا يجوز كشفهم أمنيا في هذه الظروف الدقيقة، وأن الحراسة الشخصية لا تقل أهمية عن الحراسة الأمنية الرسمية، لكن الجواب جاءهم بأن من يريد حراسة شخصية إضافية «فليعمل على تأمينها من ماله الخاص».
وتشير المعلومات الى أن العاملين في قطاع الأمن والحراسة في «تيار المستقبل» لم يقبضوا رواتبهم منذ أكثر من تسعة أشهر، وأن الرئيس الحريري أعطى توجيهاته بضرورة إعطائهم كل المتأخرات المالية وأشهر الانذار، وتأمين تسهيل معاملات تعويضاتهم في الضمان الاجتماعي.
ومن المتوقع أن يكون اجتماع المكتب السياسي الذي من المفترض أن يعقد يوم الاثنين المقبل عاصفا، حيث سيكون على جدول أعماله ملفات ساخنة، أبرزها الأزمة المالية التي تهدد ديمومة عمل «تيار المستقبل»، وكيفية مواجهة تنامي ظاهرة الوزير أشرف ريفي بعد النتائج الصادمة التي حققها في إنتخابات بلدية طرابلس، إضافة الى ضرورة مصالحة الشارع وإعادة الثقة إليه والتواصل معه.
وعلمت «السفير» أن أعضاء من المكتب السياسي سيتقدمون باقتراح يقضي بفتح باب المساهمات المالية للتيار، خصوصا أن كثيرا من أصحاب المليارات من مسؤولي وقيادات «تيار المستقبل» قد جمعوا ثرواتهم في مرحلة تولي الرئيس الشهيد رفيق الحريري للحكومات (1992 ـ 2005)، ومن بعده عبر الرئيس سعد الحريري، ولا يجوز أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام استمرار الأزمة المالية، وبالتالي يجب عليهم تقديم الأموال اللازمة، أقله من أجل تغطية نفقات التيار الداخلية، وذلك الى أن تنفرج الأزمة السياسية ـ المالية، في موعد لا يستطيع أحد تقديره، علما أن الحريري وفي آخر تغريداته وعد العاملين في تلفزيون «المستقبل» بأن «الفرج بات قريبا»، وهي ليست المرة الأولى التي يردد فيها عبارة من هذا النوع، بل كان قد رددها عندما زار مبنى تلفزيون «المستقبل» (الاخبارية) في الشتاء الماضي.
ويقول مصدر قيادي في «تيار المستقبل» لـ «السفير» إن الأزمة المالية لم تنعكس سلبا أو انسحابا على أي من الكوادر الذين يزداد تمسكهم يوما بعد يوم بخيارهم السياسي الى جانب «تيار المستقبل».
ويضيف: نأمل أن تجد هذه الأزمة طريقها الى الحل، لأن الأمور بدأت تضغط في أكثر من اتجاه، ومن المفترض أن يصار الى اتخاذ الاجراءات المناسبة، بغض النظر عن التفاصيل الصغيرة، وكذلك على القيادة السعودية أن تحسم أمرها، وأن تقول ماذا تريد من الرئيس سعد الحريري، أو على الأقل أن تترجم فعلا وليس قولا الخطاب الأخير للسفير السعودي في لبنان علي عواض العسيري الذي قال بلسان قيادة المملكة «إن الحريري هو زعيم السنة في لبنان».
ويشير قيادي آخر الى أن الحريري سيترأس بالتزامن مع الافطارات الرمضانية الـ 16 التي سيقيمها «المستقبل» في جميع المناطق اللبنانية (8 منها في «بيت الوسط»)، سلسلة اجتماعات تقييمية لمجريات الانتخابات البلدية، على أن تتوج في موعد أقصاه نهاية أيلول المقبل بورشة تنظيمية سياسية لا تستثنى منها أي مؤسسة.