لا أحد يملك جواباً واضحاً عن موعد أو طبيعة الحراك الحكومي المرتقب، ولو أنّه بالمبدأ مرتبط بعودة الرئيس سعد الحريري الى بيروت من رحلته الخارجية التي تردد أنّه لم يوظّفها في أي لقاء سياسي مهم. في اللقاء الأخير الذي جمع رئيس الجمهورية ميشال عون برئيس الحكومة المكلف بدت الهوة بينهما كبيرة، وأنّ امكانية ردمها باتت صعبة، أقله في المدى المنظور.
انتهت إجازة الأعياد، ويفترض أن تستعيد المشاورات ديناميتها، ولكن من أين تبدأ اذا كان الجميع يسلّم بأنّها ليست اللحظة السياسية المؤاتية لولادة حكومية سليمة بينما تغلي المنطقة على وقع التهديدات والتهديدات المضادة؟
وكأنّ الطبقة السياسية متواطئة في ما بينها على استنزاف لعبة شراء الوقت بانتظار حصول شيء ما من شأنه أن يسهّل الولادة القيصرية، ولهذا يتنافسون على تقاذف كرة التعطيل والعرقلة ولو أنّهم مقتنعون أنّه يستحيل على الحكومة الخروج من خرم التوتر الاقليمي. أكثر من ذلك، لا يبدي الحريري حماسة واستعجالاً لتأليف حكومة سيكون عليها فور نيلها الثقة مواجهة “تسونامي” رفع الدعم أو حتى ترشيده. فلا هو قادر على مواجهة طوفان الناس طالما أنّ منابع الدعم المالي الخارجي مقفلة في وجهه، وطالما أنّ فرص تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من صندوق النقد الدولي ومن الادارة الفرنسية، محدودة جداً… فلتبق اذاً حكومة حسان دياب في الواجهة!
ولهذا مثلاً، لا تبدي أوساط قوى الثامن من آذار أي ردّ فعل مهمّ ازاء التسريبات التي تناولت مطالبة هذا الفريق بحكومة عشرينية، وذلك على أثر اللقاء الذي جمع رئيس الجمهورية برئيس الحزب الديموقراطي النائب طلال ارسلان. وفق هؤلاء، فإنّ مصلحة هذا الفريق كانت ولا تزال في قيام حكومة عشرينية، لكن رئيس الجمهورية حرص على عدم عرقلة مهمة رئيس الحكومة وسايره في مشروعه القائم على أساس حكومة من 18 وزيراً.
لكن مكونات قوى الثامن من آذار مقتنعة أنّ الحريري لن يقدم على خطوته لاعتبارات كثيرة منها ما يتصل بعجز الحكومة التي سيؤلفها في ظل الحصار الحاصل، ومنها ما يرتبط بحاجته الى غطاء خارجي، لا يزال غير متوافر. وعليه، امتنع رئيس الجمهورية عن وضع “قنبلة” الحكومة العشرينية في طريق الحريري كي لا يتهم بالتعطيل خصوصاً وأنّ الأخير هو من يتولى وضع العصي في دواليب مهمته.
وضمن هذا المفهوم، تُفهم التجاذبات الحاصلة والخلافات الواقعة حول توزيع الحقائب والأسماء، وإن كان الاعتقاد سائداً أنّ الحريري حمل مسوّدته الحكومية الى قصر بعبدا وهو شبه متأكد أنّ الضغط الذي يتعرض له العهد بسبب الأزمة الاقتصادية – المالية والتي زاد من ثقلها انفجار المرفأ وتداعيات جائحة كورونا، قد يدفع برئاسة الجمهورية الى القبول بالمسودة كما هي، فيكون قبول رئيس الجمهورية بمثابة فرصة ذهبية لتعويض كل الخسائر والتنازلات التي تكبّدها رئيس “تيار المستقبل” منذ العام 2008، أي منذ اتفاق الدوحة، وحتى الآن.
لكن ما لا يدركه الحريري، هو أنّ رئيس الجمهورية عصيّ على هذه المحاولات التي يصنّفها في خانة نزع حقوق مكتسبة حققها المسيحيون وقد كرسها العرف، فضلاً عن كون رئيس الحكومة لم يقارب حصص الطوائف الأخرى، وقرر الاكتفاء بوضع يده على جزء من الحصة المسيحية، وهو أمر يستحيل أن يقبل به رئيس الجمهورية.
بالنتيجة، اصطدمت محاولة الحريري الأخيرة بجدار حديديّ يصعب عليه اختراقه في الأيام القليلة المقبلة، وبناء عليه، سيصعب رصد موكب رئيس الحكومة المكلف سالكاً طريق بعبدا لإعادة النظر بالمسودة التي سبق أن أودعها الرئاسة الأولى. أكثر من ذلك، يسود الاعتقاد أنّ رئيس الجمهورية لن يجلس مكتوف الأيدي مترقّباً، منتظراً مبادرة رئيس الحكومة في اتجاهه. ثمة من يشير إلى أنّ المطالعة القانونية – السياسية التي خطّها مستشاره، الوزير السابق سليم جريصاتي حول تقييد مهلة التأليف “لتكون معقولة، على ألا تكون الى ما لا نهاية”، قد تكون مقدّمة للضغط على رئيس الحكومة تحت هذا العنوان، إما لدفعه الى مراجعة مسودته وتنقيحها بشكل يأخذ بالاعتبار ملاحظات رئاسة الجمهورية بصفتها شريكة في التأليف، وإما لدفعه الى الاعتذار، خصوصاً وأنّ العهد ومعه رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل غير مقتنعين بالأساس بتكليف الحريري!