في الانتقادات التي تساق في أروقة 14 آذار الكثير من الملاحظات على رئيس تيار المستقبل وأدائه السياسي وخصوصاً في علاقته برئيس الجمهورية، رئيس الحكومة في حسابات هؤلاء قدم الكثير من التنازلات منذ اللحظة التي سار فيها في التسوية الرئاسية التي اتت بميشال عون الى قصر بعبدا وأعادت الحريري الى السراي الحكومي، فسعد الحريري «صفر» عدادات الأزمة مع رئيس الجمهورية الى ما دون الصفر حتى وان كان ثمة أزمة صامتة بينهما الا ان الحريري يتحاشى الانزلاق الى اشكاليات مع العهد الجديد متجاوزاً مطبات كثيرة في العلاقة، فموقف المستقبل جاء خجولاً في مسألة سلاح حزب الله ولم يفتعل الحريري مشكلاً كبيراً مع رئيس الجمهورية مع كل ما يترتب على هذا الموقف من إحراجات مع الجانب السعودي وحلفاء الحريري وتياره السياسي، فبحسب اوساط مطلعة على موقف المستقبل، فان معركة الحريري الكبرى هي في الانتخابات النيابية المقبلة التي يخشى منها الحريري على تياره فتراجع حضوره النيابي سيكون كارثيا ومن هنا يتم الهروب من كل الصيغ الانتخابية التي لا تلائم المستقبل وتؤدي الى وصول أخصام الحريري على الساحة السنية الى السلطة.
فالحريري او تيار المستقبل يواجه بعبعباً انتخابياً في مناطقه السنية يتربص به للانقضاض عليه، خصوصاً وان وضعه الانتخابي انكشف في الاستحقاق البلدي فصارت المعادلة الانتخابية بالنسبة اليه «وضع انتخابي «غير آمن «في أغلبية المناطق ومهتز كثيراً في مناطق حساسة. ففي مدينة طرابلس يواجه الحريري الذي تراجع حضوره في المدينة السنية الأبرز الى مستويات متدنية وتقدم عليه خصومه الاقوياء «أشرف ريفي ونجيب ميقاتي «، فهو يواجه قوتين الأولى شعبوية اكتسحت في الانتخابات البلدية وتحاكي هواجس الفقراء ومظلومي المدينة، والقوة الثانية خدماتية بامتياز ومالية تحاكي «ما يطلبه من خدمات ابناء المناطق المحرومة» فيما خسر المستقبل هيبته المالية والسياسية في الشارع الطرابلسي، والواضح كما تقول الاوساط، ان ما قام بها الحريري من خطوات لسحب المواكبة للواء ريفي ومحاكمة مرافقه انعكست سلباً على المستقبل وبدل عزل ريفي واضعافه فان هذه الإجراءات ساهمت بتقويته. وسيناريو عكار لا يبدو اكثر حالاً فالمنطقة المعروف انها الخزان البشري للمستقبل شهدت مضاعفات خطيرة وصار الحرمان فيها فوق المقبول في ظل تدفق النازحين السوريين وظروفهم الحياتية واحتكاكهم بالبيئة المستقبلية، واذا كانت عكار منطقة مغلقة على القوى السياسية الأخرى وخصوصاً التيار الوطني الحر الذي كابد في كل الاستحقاقات للحصول على مقعد نيابي فيها دون جدوى اذ كانت محسومة للمستقبل وحلفائه المسيحيين، فان القانون الانتخابي الذي سيوسع دائرة عكار او يقودها الى النسبية سيضيع الامتياز للمستقبل فيها، فالتيار الوطني الحر يريد حصة عكارية له والقوات ايضاً، وفي حين يبدو ان الحريري في صدد استبدال نوابه السنة بحيث لن يترشح الوزير معين المرعبي والنائب خالد زهرمان في حين ان النائب خالد الضاهر الذي رتب وضعيته مع العهد الجديد فكان أول المستقبليين الذين صالحوا ميشال عون في الرابية « قبل ان يصبح رئيساً للجمهورية في صدد تشكيل لائحة، في حين يتأرجح المقعدان الارثوذكسيان فمعراب ترغب بترشيح العميد وهبي قاطيشا فيما رئيس تيار المردة يدعم ترشيح كريم الراسي، اما مقعد النائب هادي حبيش فيبدو انه متفق عليه بين بعبدا والسراي خصوصاً بعد التموضع السياسي الأخير الذي أجراه حبيش تجاه العهد الجديد.
وازاء تعدد السيناريوهات فان الثابت ان وضع المستقبل في الانتخابات ليس سليما بحسب الاوساط، وهو بدون شك مختلف عن المراحل السابقة، فثمة من يعتبر ان ترابطا خطيرا وواقعيا بين الانتخابات البلدية والانتخابات النيابية واذا كان هذا الأمر صحيحاً فان نتائج الانتخابات ستكون كارثية على تيار المستقبل في مجمل المناطق وهنا مكمن اسباب هروب المستقبل من اي قانون ورفض المستقبل وتلطيه لتجنب الخسارة في الانتخابات، ففي الانتخابات البلدية في طرابلس تذوق الحريري الكأس المرة، وكذلك لم يستطع تحالف المليارات ان يحقق الانتصارات التي وعد بها طرابلس واخراج ريفي من المعادلة الطرابلسية، وتيار المستقبل مدرك حراجة الوضع الانتخابي بالنسبة له، هو اكثر من يفترض به مراجعة حساباته واجراء تقييم موضوعي ودقيق لتراجعه وتدهوره شعبياً بعد وهو الذي كان يعول بعد العودة القسرية للحريري على تحسين وضعيته السياسية والشعبية، فاذا بتيار المستقبل لا يتمكن من احصاء الضربات التي تلقاها في الانتخابات البلدية.
فبعد صفعة بيروت وتدني نسبة الاقتراع وفوز اللائحة المدعومة من الحريري بنسبة 20 بالمئة من اصوات البيروتيين، وبعد انتكاسة دعمه وتحالفه للسيدة ميريام سكاف وسقوطها في زحلة، فان صفعة طرابلس كانت الاكثر الماً للحريري والاكثر وجعاً تقول الاوساط، في حين ان حليفيه السنيين في اللائحة تلقيا الضربة نفسها لكن اصابة الحريري اتت مختلفة في معركة كان يفترض انها لتصفية الحساب بينه وبين القيادي الاقوى الذي خرج من المستقبل، فالحريري كان يعول على الاستحقاق البلدي لتأنيبه وانهاء ظاهرته الشعبية في احياء طرابلس الفقيرة فاذا بريفي يحقق التسونامي السني، وان كان عمل المجلس البلدي الذي دعمه ريفي بحسب المنتقدين له يتسم بالفشل، وان كان ثمة من يتهم ريفي بقيادة المدينة نحو التطرف والخطابات الثأرية في مواجهة خطاب الاعتدال الذي يطرحه ثلاثي رئيس الحكومة سعد الحريري وميقاتي، فانتصار اشرف ريفي في الانتخابات البلدية صدم الجميع في طرابلس وخارجها والرأي العام ايضاً، فيما كانت اوساطه تتوقع اختراقات وتسجيل سكور مرتفع وهو الذي دأب على التجول ودخول المنازل الفقيرة في الميادين والميناء والشوارع الضيقة التي لم يزرها اغنياء وقيادات طرابلس ابداً قبل هذا الاستحقاق ولا بعده، فان هذا الانتصار كرس ريفي رقماً صعباً على الساحة السنية جعل المستقبل يحسب له حساباً في الانتخابات، فاشرف ريفي اثبت انه لا يشبه المصروفين من الخدمة او العمل السياسي في المستقبل خصوصاً وان ريفي يتحدث عن مفاجآت في الانتخابات النيابية المقبلة.
في المقابل ثمة ممن يعتقد من الفاعلين على الساحة الشمالية والطرابلسية تحديدا ان الفوز في البلدية ليس كل شيء وان الانتخابات البلدية تتحكم بها العواطف والعائلية والعصبيات بخلاف الاستحقاق النيابي، وان فوز ريفي ضد التحالف السياسي الكبير في طرابلس لا ينطبق بمفاعيله على السياسة والانتخابات النيابية لاحقاً، فالوزير السابق أشرف ريفي المتمرد على زعيم تياره كسب لمرحلة ما الرهان وتمكن بخطابه الشعبوي من استقطاب جمهور المظلومين في طرابلس حين كان تيار المستقبل في اصعب ايامه لكن وصول الحريري الى السراي من شأنه تغيير الكثير من المعادلات.