بَدا جمهور تيار «المستقبل» متناغماً ومتفاعلاً مع قيادته، واعياً لدقائق الأمور وتفاصيلها، ومدركاً أبعاد كل القرارات التي تتخذها تلك القيادة، وعلى رأسها سعد الحريري.
ظهر واضحاً عدم وجود تباين بين «المستقبل» وجمهوره، وأنّ كل ما يُشاع عن تَململ داخل صفوف التيار نتيجة بعض القرارات أو المبادرات التي يطلقها رئيسه، لا أساس له من الصحة. وليس أدلّ على ذلك المشهدية التي رسمها هذا الجمهور في «البيال» خلال إحياء الذكرى السنوية الحادية عشرة لاغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لم يكن أنصار «المستقبل» يعلمون ردود الفعل التي ستحصل عقب الانتهاء من خطاب الحريري، ولا يدرون بطبيعة الحال فحوى البيان الذي سيصدر عن الأمانة العامة للتيار، والتي أكّدت من خلاله أنّ «رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع كان وسيبقى محل احترام تيار «المستقبل»، ورفيق مسيرة وطنية طويلة جسّدتها انتفاضة الاستقلال في 14 آذار»، وعن الكلام الذي جاء على لسان الحريري نفسه، عقب لقائه أمس رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميّل، أنّ «أحداً لا يزايد على علاقتي بالدكتور جعجع».
لكنّ هذا الجمهور استبَق كل هذه التطورات من خلال الترحيب الحار بـ»الحكيم» عند دخوله قاعة الاحتفال في «البيال»، ومن ثم التقاط الصوَر التذكارية معه، ومع عقيلته النائب ستريدا جعجع، لمدة تتجاوز نصف ساعة، وكأنه أراد مُسبقاً تأكيد بيان قيادته وكلام رئيسه، فهو على رغم الخلافات السياسية التي قد تظهر بين فترة وأخرى، يحفظ رفاق الدرب، الأمر الذي انسحبَ على مواقع التواصل الاجتماعي!
نجح الحريري، من خلال مشاركته شخصياً في إحياء ذكرى والده، في توجيه رسائل عدة الى الحلفاء والخصوم، أبرزها:
أولاً: على قاعدة «الأمر لي»، أثبتَ الحريري أنه مُمسك بزمام الأمور في تيار «المستقبل»، وأنّ الخلافات التي قد تظهر بين فترة وأخرى، يُمكن له معالجتها في الوقت المناسب، وتِبعاً لرؤيته، في اعتباره المرجعية الأولى والأخيرة داخل التيار، وهو ما حاول تظهيره بنَحو لائق ومحترم، من خلال عناقه وسلامه الحار على كل من وزير العدل أشرف ريفي والنائب خالد الضاهر.
ثانياً: أبلغَ الحريري الى الجميع أنّ كرسي الرئاسة الثالثة لا تعنيه، وعلى هذا الأساس لم يهادِن «حزب الله»، بل تابعَ انتقاده له ولكل الممارسات التي يقوم بها داخلياً وإقليمياً، تحت سقف الحفاظ على استقرار البلد، وسِلمه الأهليّ، ووفق القاعدة التي أرساها من خلال فتح قنوات الحوار مع الحزب في «عين التينة».
ثالثاً: في ملف الرئاسة، أعاد الحريري التزامه المبادرة التي طرحها بترشيح رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية، معلناً احترامه في الوقت نفسه لتَبنّي جعجع ترشيح رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» العماد ميشال عون، متمنياً على كل الأطراف السياسية ممارسة اللعبة الديموقراطية وتطبيق الدستور من خلال النزول الى مجلس النواب، والمشاركة في الانتخابات الرئاسية، مشيراً الى أنه سيكون أوّل المهنئين للرئيس العتيد.
رابعاً: سَردَ الحريري كل الوقائع والخطوات التي أعقبت اتفاق الأقطاب الموارنة في بكركي على ملف الرئاسة. وظهرَ من خلال الإشارات والملامح التي ارتسَمت على وجهَي جعجع والرئيس أمين الجميّل، أنّ ما يُدلي به الحريري متوافِق تماماً مع الواقع!
خامساً: أشار الحريري بصراحة الى الخَلل الحاصل داخل قوى «14 آذار»، وأظهرَ ثقته الكبيرة بمنسّق الأمانة العامة الدكتور فارس سعيد حين أكّد ضرورة اجتماع أقطاب «14 آذار» تحت مظلّة الأمانة العامة، لطَرح الهواجس، والحفاظ على هذه التجربة الفريدة في تاريخ الكيان اللبناني.
ما هي تفاصيل الصورة الجماعية لأقطاب «14 آذار» في «البيال»؟
ما قاله الحريري في الصيفي لجهة أنه يتكلم بصراحة، ولا يستعمل «الحركات» رداً على ما أثير حول الصورة التي جمعت أقطاب «14 آذار» على المنصّة، واقِعي تماماً. فما حصل كانَ وليد ساعته، ولم يتمّ الاتفاق عليه مسبقاً، وقد أراده الحريري لتأكيد وحدة «14 آذار».
وما لم يظهر على الشاشة أنّ الحريري نادى على جعجع، لكنّ الأخير كان بعيداً نوعاً ما، وحين التفتَ «الحكيم» مجدداً، دار حديث ودّي وجانبيّ بين الطرفين لدقائق، ثم ما لبثَ أن انتهى بعناق وقبلات حارة، واتفاق على شيء معيّن! بعدها، استدعى جعجع رئيس جهاز الاعلام والتواصل في حزب «القوات اللبنانية» ملحم رياشي، وأبلغه ما حصل بينه وبين الحريري للعمل على أساسه.
كل هذه الوقائع تؤكد أنّ «الحكيم» لم يُبدِ أي امتعاض ممّا حصل، ولم يشعر بأيّ إهانة أو عدم اهتمام من الحريري، كما حاول البعض الترويج له عبر مواقع التواصل الاجتماعي!