ولّت أيام المواجهات بين الرئيس سعد الحريري والنائب سليمان فرنجية. إن كان رئيس «تيار المردة» في زيارة خاصة أم زيارة عمل الى باريس. إن التقى او لم يلتق رئيس «تيار المستقبل». مجرّد وصول فرنجية الى العاصمة باريس والحريري موجود فيها، فتح الشهية على تكهنات تبدأ برئاسة الجمهورية ولا تنتهي بالاستثمار المشترك لنقاط التقارب المستجدّة بين الطرفين. عملياً، لا شيء يمنع ابداً من حصول هذا اللقاء بين «صديق بشار» ومن «يطلب رأس بشار»!
بعد عشر سنوات، انقلب المشهد رأسا على عقب، كما في كل شيء بالسياسة. لا أحلاف حديدية ولا خصومة أزلية. بين الرجلين، الامور التي تجمع صارت أكثر ممّا تفرّق.
وإذا كانت لغة الحوار «ماشية» بين «المستقبل» و «حزب الله» وميشال عون وسمير جعجع، فما الذي يمنع من أن تكون الدروب سالكة بين بنشعي وبيت الوسط. سيكون الامر عادياً إذا بادر الحريري هذا العام ايضا الى إرسال عيدية «شوكولا» الى فرنجية بمناسبة الميلاد ورأس السنة كما فعل العام الماضي، ثم مسارعة الاخير الى تهنئة «الشيخ» بعودته سالماً خلال «زياراته» التفقدية الى لبنان.
بالتأكيد لم يعد على أجندة «بيك زغرتا» سؤال الحريري «إذا خيّر بين الجنسيتين اللبنانية والسعودية أيّهما يختار؟»، كما فعلها العام 2011، مستنكراً آنذاك مطالبة السعودية رعاياها مغادرة لبنان فيما الحريري كان «لا يزال هنا». ولا ينتظر «الشيخ» قراراً قضائياً بعد شكوى القدح والذمّ التي تقّدم بها ضد النائب فرنجية على خلفية تصريحات إعلامية سأل فيها «هل المطلوب أن يكون رئيس الجمهورية خاتماً في إصبع سعد الحريري؟».
منذ نحو خمس سنوات تغيّرت ملامح العلاقة على خط بنشعي ـ بيت الوسط. وفي لحظة سياسية خاطفة، نجح الرجلان في كسر جليد غذتّه حروب الاصطفافات منذ ما قبل اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. يومها تحدّث فرنجية عن مودّة ولدت حديثاً مع «الشيخ» بعد العداء عن بعد، وتوّجتها زيارة الحريري الاولى في تموز 2010 الى بنشعي التي لم يكن يعرفها سوى على الخريطة.
لم يكن تفصيلاً بالنسبة لبيت الوسط في تشرين الثاني من العام 2009 تخلّي «المردة» عن حقيبة والقبول بوزارة دولة كي لا يدفع الثمن، كما قال فرنجية آنذاك، حلفاء لنا في «تكتل التغيير والإصلاح»، ذاهباً إلى حد القول «لا نقبل أن ينكسر الشيخ سعد، لأنه يريد تأليف الحكومة». ولدت التشكيلة الوزارية يومها و «الشيخ سعد» يكرّر عبارات الشكر والامتنان على دوره التوفيقي والمسهّل لهذه الولادة.
قبل ذلك، تلقف فرنجية بإيجابية كبرى زيارة الحريري إلى دمشق واصفاً إياها بالقرار الجريء، وهو الذي كانت له «الأيادي البيضاء» في المساهمة بفتح الأجواء السورية أمام طائرة الحريري الخاصة، لتحطّ على مدرج مطار دمشق الدولي. تماماً كما يُقال اليوم إن أحد مفاتيح خطوط العلاقة بين السيد نصرالله والحريري هو سليمان فرنجية.
بعد لقاء الحريري ـ الاسد، رصد فرنجية «الشيخ سعد» وهو يتجاهل النصيحة التي أسداها إليه عندما دعاه الى «اختيار الأصدقاء والشرفاء الحقيقيين بغض النظر عن الاقتناعات السياسية لكل منهم»، وقوله على مسافة يومين من الزيارة الاولى للحريري الى بنشعي «من خلال معرفتي بالحريري، فإنه يعيش على غير موجة. قد تكون نيّته طيبة، لكن ما هكذا يُسار بالأمور». بقيت العلاقة تحت السيطرة والاستيعاب المتبادل الى ان سقطت تسوية الـ «س ـ س» ودخل لبنان في المجهول السوري.
منذ تشغيل عدّاد الفراغ الرئاسي، تمسّك فرنجية بأكثر من ثابتة: ميشال عون مرشّحنا لقصر بعبدا طالما هو يعلن ذلك، الفراغ الرئاسي سيكون طويلاً ومكلفاً، وسعد الحريري لا يريد سمير جعجع ولا ميشال عون، لأنه مع نظرية «الرئيس الضعيف». هذا كان قبل عام.
فرنجية اليوم لا يزال على ثباته بشأن ترشيح «الجنرال» وتمدّد الفراغ، لكن الرئاسة الضائعة ساهمت في خلق مناخات جديدة غيّرت الاصطفافات وبدّلت في التوازنات وأضفت التمايزات على مواقف بعض السياسيين، من بينهم فرنجية الذي لم يُجارَ عون في الكثير من خياراته الداخلية.
وفرنجية المتمسّك بترشيح «الرئيس القوي» ميشال عون، لم يقل يوماً إنه غير مرشح. وقد نجح حيث أخفق «الجنرال» في إحداث اختراق في الجبهة السنية من خلال الاحتفاظ بصلات وخطوط مفتوحة وثابتة مع قيادات «تيار المستقبل» على رأسها سعد الحريري، رغم الخلافات السياسية بينهما في الموضوع السوري والمقاومة. حتى «الغزل» بفرنجية صار يسمع على لسان فؤاد السنيورة.
أما في الرئاسة، فالواقعية شعار فرنجية الدائم. لذلك حين يستمع الى محدّثيه يتكلمون بكثير من الإيجابية عن احتمال تبنّي ترشيحه من جانب الرئيس الحريري، يبادر الى التذكير بموقفه من ترشيح عون، من دون أن يغفل أن الفيتو على «الجنرال» من جانب السعودية هو نفسه الذي قد يُواجَه به طالما أن التسوية الموعودة لم يحِن أوانها بعد.