محاولة التفافية للتضحية بعون والإتيان بفرنجية: تنفيس الشارع وتجاوز المعايير العربية والدولية
ماذا تحاول هذه السلطة أن تفعل؟ وعن أيّ حكومة يتحدّثون؟ وبأيّ مواصفات وبأيّ مهمّات ووفق أي هوية وعلى أي منطلق سوف تتعامل مع المجتمعين العربي والدولي، الذي أوصل رسائله بكلّ وضوح أنّه لن يساعد بلداً يحكمه حزب مصنّف على أنّه إرهابي ويخوض الحرب في دول المشرق وعلى دول الخليج، وهو بات يسيطر على مقدِّرات الدولة ويستخدم مؤسساتها الشرعية في خدمة المشروع الإيراني.
رغم كلّ الحقائق التي تؤكد استحالة إمكانية الوصول إلى تفاهم على الصيغة الحكومية إذا كانت مبنية على اقتسام أركان السلطة لها، فإنّ الرئيس سعد الحريري ما زال ينتظر أحداً يقوم بما يسميه مشعوذو الرئاسات «تدويراً للزوايا»، والذي لا يمكن أن ينتج عنه سوى صيغة ملغومة للثلث المعطل و«الوزير الملك»، بينما يضع الرئيس المكلف نفسه تحت وطأة الضغوط والابتزاز لتقديم مزيد من التنازلات، بحيث تخرج وزارة الداخلية من الحصة السنية، بتسميات وعناوين مختلفة، منها إحراجه بتسمية اللواء عباس إبراهيم، الذي يتحرّك بهوامش سياسية واسعة، لكنه في الأمور الحاسمة، لن يخرج عن دائرة الثنائي الشيعي في نهاية المطاف.
كلّ ألاعيب الأثلاث والأرباع، وكلّ التسويق لإمكانية المساكنة بين حكومة مستقلة من أهل الاختصاص، وبين أركان السلطة، هي محاولات بائسة لا محلّ لها من الإعراب السياسي، فكيف تكون حكومة مستقلين واختصاصيين إذا كان كل حزب سيسمي حصته من الوزراء، وجرى الاتفاق سلفاً على أن يسمي الثنائي الشيعي وزير المال، لتثبيت ما يعتبره طرفا هذا الثنائي عرفاً يجري العمل على تكريسه ثم فرضه بشكل نهائي.
الحقيقة التي يتجاهلها الحريري ومن يجاريه في اللعبة، هي أنّ «حزب الله» لديه الأغلبية النيابية والسياسية، وأنّه يتحكّم بمفاصل الحكم، وأنّه لو أراد تشكيل الحكومة لكان تحرّك مع حلفائه وخصومه على قاعدة «القمصان السود»، ولا نعتقد أنّ جبران باسيل لديه الشجاعة لتحدي التهويل العسكري للحزب، إذا كان خلافه مع وفيق صفا حقيقياً، مع الإدانة الدائمة لهذا الأسلوب، ولو شاء لكنّا منذ مدة أمام حكومة تمثل أمام مجلس النواب.
نظرياً: يقف الحريري على الطرف النقيض للتصورات «حزب الله» وحركة «أمل» والرئيس عون للحكومة. لكنّه من الناحية العملية يتصرّف كواحد منهم بعد أن وضع نفسه في دائرة شروط السلطة، وهو لا يقوى على أن يعتذر وأن يضع النقاط على الحروف ويكشف الأسباب الحقيقية لتعطيل تشكيل الحكومة.
أسوأ ما في هذا المسار ما تسرّب عن تفاهم رباعي يضمّ: الرئيسين نبيه بري وسعد الحريري، والنائب السابقين وليد جنبلاط وسليمان فرنجية على التضحية بجبران باسيل، والتقدم لتسويق فرنجية، كمخرج الأزمة، وتنفيساً للاحتقان، وللإيحاء للخارج، العربي والدولي بأنّ تغييراً قد حصل وأنّه سيكون في الإمكان تشكيل حكومة واستئناف العلاقات الخارجية، تحت عباءة «حزب الله».
في المقابل، يحضِّر الرئيس عون كميناً للرئيس الحريري، فهو في حال اضطرّ لتوقيع التشكيلة المقدّمة من الرئيس المكلّف، فإنّه سيعمل جاهداً على إسقاطه في مجلس النواب، خاصة إذا أدرك «حزب الله» أنّه لم تعد هناك فائدة من انتظار الحريري، باعتبار أنّه لا يستطيع تجاوز الشروط العربية والدولية لقبول التعاون مع الحكومة، ليأتي برئيس على طراز النائب عبد الرحيم مراد، أي أن تكون حكومة معلنة للحزب، وحكومة مواجهة، تعلن أنّ لبنان بات رسمياً في المحور الإيراني، مع ما لذلك من تداعيات.
في كلّ مرة يشتم عون الحريري أو يوجّه إليه الإهانات، يبتلعها على أساس أنّه رئيس مكلّف، حتى أصبح حائطاً للإذلال العلني، فيكتفي ببعض التغريدات في الردّ والتبرير، ثم يمحو النهار كلام الليل، ونراه يمثل في بعبدا بين يدي رئيسٍ لا يترك، هو ونوابه، فرصة لشتم الحريري الأب والابن، من دون أن يكلّف نفسه الاعتذار أو التبرير.
ما هذه القدرة على ابتلاع الشتائم؟ وهل يمكن اعتبار هذا الفعل سلوكاً وطنياً قويماً، أم أنّ الكرامة الشخصية وكرامة من يمثلهم الحريري في السلطة لها الأولوية والمكانة الأرفع؟
أثبتت التجارب أنّ التنازلات تجرّ التنازلات، وأنّ الصمود يؤسِّس للثبات، وكلّ من حاول تجاوز قواعد التاريخ والمنطق سقط، فهل يتعلّم المعنيون الدروس، أم أنّ على قلوب وعقول أقفالُها؟