على الرغم من سوء العلاقة بين تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية»، تفرض الانتخابات النيابية المقبلة المُحدّدة في أيار 2022، إعادة مقاربة هذه العلاقة، والحديث عن إمكانية التحالف انتخابياً بين الحليفين السابقين، لما لهذا التحالف من انعكاس إيجابي عليهما في الدوائر المشتركة، التي يُمكن أن يرفد فيها احدهما الآخر بالأصوات، وإن على المستوى السيادي، مع ما يُضيف ذلك من زخم الى جبهة مواجهة فريق «الممانعة» الذي يعارضه كلّ من «المستقبل» و»القوات»، والمتمثّل بـ»الثنائي الشيعي» و»التيار الوطني الحر»، وتحديداً «حزب الله».
لا معلومات مؤكّدة بعد عن موعد عودة الحريري الى بيروت وقراره لجهة خوض الانتخابات أو عدمها، إن شخصياً أو على مستوى «التيار»، رغم كلّ ما يُقال عن حسمه عدم خوض الانتخابات. وفي انتظار عودته، يعمل «التيار» للانتخابات «عالخفيف»، على صعيد التحضيرات المكتبية، أمّا الماكينة الانتخابية فلم تنطلق بعد، وكلّ ما يُحكى عن تحالفات غير صحيح، ويأتي إمّا في إطار التمنيات أو المشاورات، ولا قرار في شأنها بعد، بحسب مصادر «المستقبل». فكلّ ما هو مرتبط بالانتخابات، إن على مستوى الترشيحات أو التحالفات أو تمويل الحملات، ينتظر عودة الحريري وقراره، وأيّ من نواب «المستقبل» أو مسؤوليه لن يُعلن ترشيحه للانتخابات قبل تبلور هذا القرار.
تقول مصادر «المستقبل»، إنّ «غالب الظن أنّ الحريري لن يترشح، لكن هذه كلّها تكهنات»، أمّا القرار النهائي فسيعلنه الحريري بنفسه. وفيما كانت المعلومات المُبلّغة الى مسؤولين في «المستقبل» تشير الى أنّ الحريري كان يُفترض أن يعود الى بيروت في مطلع الشهر الجاري، ما لم يحصل، لا موعد محدّداً ومعروفاً لعودته حتى الآن. أمّا ما سُرّب عن اجتماعه الأخير مع كتلة «المستقبل» الكترونياً، لجهة أنّه أبلغ الى النواب عدم خوض الانتخابات، وأنّ أي شخص يترشح عليه أن يخوض الانتخابات بإسمه وليس عن «المستقبل»، فغير صحيح، بحسب مصادر الكتلة. وتركّز حديث الحريري خلال هذا الاجتماع، على رؤيته لواقع المنطقة وارتباط الواقع اللبناني به، وأنّ المشاريع تتناحر في المنطقة، ما يُلحق ضرراً بلبنان بفعل إصرار «حزب الله» على رهن البلد بالخارج وبالمشروع الإيراني النووي.
على صعيد العلاقة مع «القوات»، فمنذ الاستقالة القسرية لرئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري من رئاسة الحكومة عام 2017 من الرياض ثمّ تراجعه عنها، وما قيل حينها عن دور «قواتي» في التحريض على الحريري سعودياً ما أدّى الى ما واجهه، والعلاقة بين «المستقبل» و»القوات» تتدهور الى الأسوأ، خصوصاً بين الحريري ورئيس حزب «القوات» سمير جعجع. وكانت ذروة التأزم في العلاقة بين الطرفين، عند استقالة وزراء «القوات» من حكومة الحريري عام 2019 إثر «انتفاضة 17 تشرين» ما أضعف موقع الحريري وساهم في استقالته، وبالتالي استقالة الحكومة، وصولاً الى رفض جعجع تكليف الحريري ترؤس أي حكومة بعد ذلك التاريخ، ما أدّى أيضاً الى تعزيز موقع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و»التيار الوطني الحر»، بحسب ما يعتبر تيار «المستقبل»، لجهة الحصص الحكومية وتمسُّك عون بأكثرية التمثيل المسيحي. وأتى كلام جعجع أخيراً عن أنّ «الاكثرية السنّية هم حلفاؤنا بطبيعة الحال على المستوى الشعبي لا القيادي»، وردّ الأمين العام لـ»المستقبل» عليه ليُظهر البعد والجفاء بينهما.
ويرى البعض أنّ ردّ أحمد الحريري على كلام جعجع كان مبالغاً به، ويُظهر عمق الهوة بين الطرفين. ففي حين أنّ جعجع لفت خلال مقابلة اعلامية الى أنّ «الأكثرية السنّية هم حلفاء «القوات» بطبيعة الحال على المستوى الشعبي لا القيادي، وكلّ من لديه طروحاتنا نفسها سيكون هناك انسجام معه»، ولم يذكر «المستقبل» أو يتناول قيادته، سارع أحمد الحريري الى الردّ على جعجع، وقال: «إنّها ليست المرة الاولى التي يحاول فيها جعجع الفصل بين الأكثرية السنّية وبين قيادتها السياسية». واعتبر أنّ «المقصود بهذا الفصل حتماً تيار «المستقبل» وقيادته، إلّا إذا كان جعجع يعتبر أنّ بعض الفتات السياسي الذي يغازل معراب بات يشكّل اكثرية يُعتد بها، وفي الإمكان تجييرها بالجملة أو المفرّق لكي تصبح تحت خيمة «القوات». وتوجّه الحريري الى جعجع بنصيحة، وقال: «إلعب في ملعبك كما تشاء وعش الأحلام التي تتمناها، لكن إترك الاكثرية السنّية بحالها، وتوقّف عن سياسة شق الصفوف بينها وبين قيادتها السياسية».
لكن على الرغم من ردّ الحريري القاسي هذا، الّا أنّه أتى في سياق الردّ على كلام جعجع وليس منفصلاً، بحسب مصادر «المستقبل»، والأمور توقفت عند حدّ التصويب. إنطلاقاً من ذلك، لا دلالة لكلام الحريري الى عدم التحالف مع «القوات» انتخابياً. فالأمر الوحيد المحسوم انتخابياً لدى «المستقبل»، هو استحالة التحالف مع «التيار الحر» و»حزب الله»، أمّا بقية الأفرقاء، فالتحالف معهم مُمكن ومرتبط بقرار الرئيس سعد الحريري بخوض الانتخابات أم لا وبأي تحالفات. وتقول مصادر قيادية في «المستقبل»: «هناك إمكانات مفتوحة للتحالف مع «القوات»، إنّما المهم أن تكون هناك رؤية سياسية مشتركة»، مؤكّدةً أنّ «لا قرار أو توجيه من الحريري للردّ على جعجع أو مهاجمة «القوات».
من جهة «القوات»، تشير مصادرها الى أنّ «كلام جعجع هذا فُسّر على غير محمله، فيما أنّ موقفه واضح لجهة أنّ الأكثرية السيادية في كلّ الطوائف ترى في موقف «القوات» تجسيداً لتطلعاتها، وهذه الأكثرية السنّية والمسيحية والشيعية والدرزية تتفاعل مع موقف «القوات» وطرحها واقتناعاتها ومبادئها وشعاراتها وخطابها». وتوضح، أنّ «القوات» لا تفصل بين قيادة أي طرف وقاعدته، وكلّ ما قاله جعجع، إنّ لا حوار وتواصل مع قيادة «المستقبل»، لكنه لم يفصل بين القيادة والقاعدة، بل قال إنّ الشارع السيادي السنّي يتفاعل مع «القوات».
وفي حين أنّ الاتصال مقطوع كلياً بين الحريري وجعجع، فإنّ التحالف الانتخابي بينهما مرتبط أيضاً بعودة الحريري وقراره ومقاربته. أمّا بالنسبة الى «القوات» فإنّ «أي تحالف انتخابي مع «المستقبل» يستدعي أولاً تواصلاً بين جعجع والحريري، للحديث عن المرحلة الماضية التي شابتها خلافات، فلا يُمكن التحالف بلا غربلة كلّ المرحلة السابقة وإعادتها الى مسارها السليم».