مع استمرار ترددات الصدمة التي خلفها انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الاميركية، وسط اجتهادات عدة في قراءة ما حصل، ذهب بعضها الى اعتبار العالم مقبلاً على سيناريوهات جديدة قد تقلب المعادلات السائدة دوليا رأساً على عقب. ثمة في بيروت نوع آخر من الصدمات، الذي يتأرجح بحسب بورصة التسريبات الحكومية، حيث يصحى اللبنانيون على ايجابية ليناموا على سلبية، ضمن فترة السماح التي يقدمها العهد الجديد والتي قد تنتهي مع الانتخابات النيابية المقبلة، المحطة الفاصلة بين زمنين لبنانيين مختلفين.
التعثر الظاهر في تشكيل الحكومة، رغم المواعيد المضروبة، بدا واضحا، اولا من خلال بيان تكتل التغيير والاصلاح الذي اكد على متانة العلاقة بين القوات والتيار، وسط تشديد على اعطاء حصة وازنة للقوات في اي تشكيلة، خصوصا انها من فتحت المجال واسعاً امام انتخاب عون رئيساً، بحسب مصادر مسيحية، الا ان موضوع وزارة الخارجية يبقى عرضة للنقاش والمداولات، ثانيا من خلال سفر وزير الخارجية الى البرازيل لمدة اسبوع، وثالثا عدم الحماسة الواضحة في بيت الوسط لاعطاء معراب حصة وازنة، في ظل استمرار «التذبذب» في العلاقة بين الطرفين وعدم تخطي «الازرق» حتى الساعة خطوة جعجع تبني ترشيح الجنرال في مواجهة بيك زغرتا،رابعا،ما غرد به النائب وليد جنبلاط عن صغار يحاولون عرقلة تشكيل الحكومة.
وفي انتظار الجوجلة الاولى اليوم في بعبدا بين الرئيسين المنتخب والمكلف «للتوزيعة» الوزارية الاولية، حيث تتحكم عقدتا «سيادية» القوات و«مالية» الاستاذ، بباب فرج الحقائب والاسماء،على وقع التحفظات المتقابلة بين الثنائي الشيعي والتحالف المسيحي، حيث تبلغ العماد عون رسالة حارة حريك الواضحة حول المخاوف من اسناد وزارتي الدفاع والخارجية للقوات، خوفا من عرقلة معراب لاي مساعدات عسكرية قد تقدمها طهران، وخوفا من ان تصوب القوات من خلالها على مواقف حزب الله في الخارج في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة داخليا وخارجيا، في الوقت الذي يفترض وجود وزير خارجية يراعي الوضع اللبناني الخاص.
كذلك الامر بالنسبة لوزارة الاعلام،التي تشير مصادر في الثامن من آذار الى خطورة اسنادها الى الطرف المسيحي خصوصا القوات اللبنانية، في ظل الصراع المرتقب حول تلفزيون لبنان بعدما تحولت المحطات المسيحية الى ادوات «تطبيل وتزمير» للعهد العوني. يضاف الى كل ذلك سعي الرئيس الحريري،على غرار العماد عون الى الفصل بين حصته كرئيس حكومة وحصة تيار المستقبل.
وفي هذا المجال تشير مصادر الوطني الحر الى ان شرط الرئيس بري بالحصول على الثلث الضامن سقط بعدما بات محسوما حصوله على وزارة المالية، مبدية اعتقادها بان الربط بين المسألتين كان من باب تحسين شروط التفاوض، مقرة بان خطة عين التينة تقضي باحكام السيطرة على مفاصل السلطة التنفيذية من خلال توقيع وزير المال، ما يعيد الحياة الى مبدأ الترويكا، بعد امتلاكه مفاتيح السلطة التشريعية.
واشارت المصادر الى سلسلة من اللقاءات والمشاورات يقوم بها فريق من المستشارين بعيدا عن الاعلام بغية التوصل الى ثوابت ناظمة لقيام الحكومة الجديدة تحترم التوازنات السياسية القائمة والقواعد الدستورية المعمول بها، كاشفة عن ان الحكومة لن تكون على شاكلة البرلمان ولن تضم الى صفوفها كل الكتل، خصوصا ان صلاحيتها لا تتعدى الاشهر ومهمتها محصورة بالاشراف على الانتخابات من جهة، وحل بعض الازمات اليومية للمواطنين.
اوساط القوات اللبنانية اكدت من جهتها تمسكها بحقيبة سيادية كونها احدى القوتين المسيحيتين الاساسيتين «دون ان يعني ذلك عرقلة التشكيل»، كما تحصل القوتان الاسلاميتان على «سياديتين»،لافتة الى انها مستعدة لتسهيل تأليف الحكومة الى اقصى حد، رافضة حفلة فرض الشروط القائمة ووضع «الفيتوات»، او تكريس اعراف في تشكيل الحكومة،داعية الى وضع معايير محددة للتشكيل يلتزمها جميع الاطراف، كاشفة عن ان الممارسة الوزارية للقوات اللبنانية بينت فصلها بين الحزب والدولة،حيث ان وزراءها يعملون لكل لبنان وليس للحزب، وفقا للثوابت الوطنية الاساسية، واضعة الحملة التي يشنها البعض ضد تمثيل القوات في الحكومة المقبلة في خانة الرغبة المضمرة في التصويب على إعلان النيات المعقود سابقا بين التيار الوطني والقوات والمعروف بتفاهم معراب من جهة والحيلولة دون ضمان انطلاقة قوية للعهد الرئاسي الجديد.
وفي هذا الاطار تؤكد اوساط القوات عدم معارضتها زيارة الموفد الرئاسي السوري الى بعبدا، انطلاقا من ضرورة احترام ما يترتب على العلاقات الدبلوماسية القائمة بين البلدين، بعيدا عن الموقف من النظام السوري، متفهمة موقف الرئيس عون من مسألة قتال الحزب في سوريا، مستغربة حملة الردود على موقف الوزير جبران باسيل من هذا الامر، رغم ربطه الواضح بين انسحاب الحزب وانسحاب 80 دولة وجهة موجودة في سوريا.
امام هذا الواقع المحيط بدأت الاسئلة ترتسم، هل يقلب الثنائي عون والحريري الطاولة ويشكلان حكومتهما انطلاقا من ان الاستشارات النيابية غير ملزمة؟ هل تبصر الحكومة العتيدة النور عشية عيد الاستقلال؟ ام يستغرق الامر حتى الفترة الممتدة الى ما بين عيدي الميلاد ورأس السنة؟ فهل مخاطر تفشيل العهد من بوابة الحكومة ستجبر عون على سلق المراحل؟