العلاقة بين رئيس تيار «المستقبل» سعد الحريري ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع غير مقطوعة، والتواصل بين الرجلين قائم إنّما بالحد الأدنى، عبر اتصالات هاتفية ومعايدات متبادلة. عوامل عدة زعزعت هذه العلاقة وتركت ندوباً فيها، غير قابلة للمحو، لكن يُمكن «تناسيها» لمقتضيات المصلحتين الوطنية والمشتركة. وإنّ إحياء العلاقة بين الرجلين يتطلّب جلسة مصارحة، بحسب ما تؤكّد مصادر الطرفين، لتنقية كلّ المرحلة السابقة وما طرأ على العلاقة في السنوات الثلاث الأخيرة، بين الحليفين منذ عام 2005.
لم تؤتِ التسوية الرئاسية منذ إجرائها عام 2016 بين طرفيها الرئيسين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والحريري أيّ ثمارٍ لرئيس الحكومة السابق. وفي حين كان يأمل الحريري في تحقيق إنجازات على الصعيد العام من خلال «استقرار» تؤمّنه هذه التسوية، ليعزّز موقعه السياسي والشعبي، أتت هذه التسوية، التي شملت أيضاً قوى 8 و14 آذار الأبرز، بنتائج عكسية على البلد وعلى رئيس «التيار الأزرق» في آن. وساهم فشل هذه التسوية في الوصول الى «انتفاضة 17 تشرين الأول»، التي فرضت على الحريري الإستقالة وعدم الدخول في تسويات وزارية أخرى مع عون و«الثنائي الشيعي».
ولا شك في أنّ هذه التسوية أثّرت سلباً على العلاقة بين الحريري وحلفائه من قوى 14 آذار، ومن بينهم جعجع الذي تخلّى الحريري عن ترشيحه لرئاسة الجمهورية، بمعزل عن الأسباب. أمّا الندب الأعمق الذي دَمَغ العلاقة بين الرجلين، فهو أثر «جرح السعودية». فالحريري يعتبر أنّ جعجع تخلّى عنه خلال أزمته حين قدّم استقالته في خطاب مُتلفز من الرياض في تشرين الثاني من عام 2017. منذ ذلك الحين، «انكسر» شيء ما في هذه العلاقة، وعمد الحريري الى لَوم جعجع علناً في أكثر من محطة، ليس فقط عتباً على «حادثة الرياض»، بل على مواقف «القوات» في الحكومة السابقة وعدم تصويتها على موازنة 2019… وصولاً الى استقالة وزرائها من حكومة الحريري الأخيرة، التي شكّلت، في موازاة الإنتفاضة الشعبية، عاملاً ضاغطاً على الحريري ليقدّم استقالته وإصرار «القوات» على تأليف حكومة إختصاصيين مستقلين.
بعد سقوط التسوية الرئاسية وخروج كلّ من «المستقبل» و«القوات» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» من الحُكم، في مقابل تأليف حكومة برئاسة حسّان دياب بتوافق بين «الثنائي الشيعي» و«التيار الوطني الحر»، بدأ الكلام عن إعادة إحياء جبهة 14 آذار أو تكوين جبهة معارضة جديدة. لكنّ أسباباً عدة حالت دون نضوج معارضة جبهوية حتى الآن. وإنّ تكوين أيّ جبهة كهذه يتّصل باللحظة السياسية التي تفرض إيقاعها وولادتها بحسب «القوات»، التي أبلغت الى من يعنيهم الأمر في «المستقبل» و«الحزب التقدمي الإشتراكي» أنّها مستعدة للتنسيق وفق السقوف التنسيقية التي يحددانها.
أمّا ترميم العلاقة بين «القوات» و«المستقبل»، فيستدعي جلسة طويلة بين الحريري وجعجع لتنقية هذه العلاقة من الشوائب التي اعترتها في سنوات التسوية الرئاسية، بحسب ما تؤكّد مصادر معراب. إذ يصعب فتح صفحة جديدة بين الرجلين من دون جلسة طويلة من هذا النوع، حيث أنّ السنوات الأخيرة حَفلت بتباينات كبيرة وواسعة بينهما على أكثر من صعيد ومستوى، ولا يُمكن تجاوزها من دون التوقف عندها.
وبالنسبة الى معراب، إنّ تأسيس أيّ إطار سياسي، إن كان جبهوياً أو حتى تنسيقياً على المستوى المطلوب، يستدعي أن تكون العلاقة بين «القوات» و»المستقبل» قائمة على صفحة بيضاء، وثقة متبادلة في أنّ ما سبق أن حصل لن يتكرّر لدى الطرفين. كذلك، يتطلّب الإتفاق على خريطة طريق سياسية أساسية، فلا يكفي أن يكون هناك مجموعة أطراف تتفق على عنوانٍ واحد وتختلف على عناوين أخرى. لذلك، يجب الإتفاق على مجموعة عناوين ونقاط لفتح هذه الصفحة.
على المستوى السيادي – الإستراتيجي، لا خلاف نظرياً بين الطرفين، اللذين يتفقان على أن يكون القرار السياسي للدولة وليس لطرف آخر، وألّا يكون هناك أيّ سلاح خارج إطار الدولة. لكن بالنسبة الى «القوات» يجب الإتفاق أيضاً على طريقة تحقيق هذا الهدف، أي رفض التسويات التي تضرب هذا المفهوم السيادي. كذلك، ترى «القوات» أنّ من أُسس أيّ تفاهم مع «المستقبل» التوافق على طريقة إدارة الدولة، من مكافحة الفساد والذهاب في اتجاه دولة قانون حديثة، وعدم التذرّع بأيّ ضغوط سياسية.
حتى الآن، لا موعد أو لقاء مُحدّد بين جعجع والحريري الذي يلتزم الحجر المنزلي اللازم بعد عودته من باريس يوم الجمعة الماضي. وفي انتظار أن تتحدد هذه الجلسة بين الطرفين، حيث ستتكفّل الظروف بدفع الرجلين الى الاجتماع، فإنّ الإتصالات غير مقطوعة والتواصل قائم بينهما، لكنّه في حده الأدنى.
وتقول مصادر الحريري إنّ التنسيق مع «القوات» يتمّ حيث تقتضي الحاجة، وإنّ تفعيل هذا التنسيق مُرتبط بالتطورات على مستوى البلد. أمّا المؤكد، بحسب مصادر «المستقبل»، فهو أنّ كلاً من الحريري وجعجع يعلم أنّ أيّ معارضة لن تكون فاعلة من دون تعاونهما، لذلك من المُفترض أن يعقدا اللقاء المُنتظر، ليتخطّيا المسائل الشخصية ويتفاهما على طريقة هذه المعارضة.
هناك توتر في العلاقة بين الرجلين، وعلى رغم من أنه أثّر على العلاقة بين قاعدة «المستقبل» و»القوات»، إلّا أنه لم يفتح جروحاً على هذا المستوى. ولم ينقطع التواصل بين المسؤولين في الحزب والتيار، وهناك اقتناع لدى «المستقبل» بأنّ المعارضة الفاعلة لا يُمكن أن تقتصر على حزب أو تيار واحد. وفي حين قُرأ في عودة الحريري التحضير لتفعيل معارضة تياره، وحتى توحيد الأحزاب والتيارات المعارضة، لا تعليمات جديدة على مستوى المكتب السياسي في التيار. ويبدو أنّ الحريري في مرحلة تحضير الآن، ويدرس خطواته المقبلة ضمن إطار ضيّق مع عدد من القريبين.