Site icon IMLebanon

لدغة التنازلات

 

تشير المراجعة لكل التنازلات التي قام بها ما كان يعرف بفريق “14 آذار” وتحديداً الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، إلى أنها آلت جميعها بنتائجها إلى الفشل ولم تحقق أي نتيجة مرجوة منها، فلا الوحدة الوطنية ترسخت، ولا الدولة قامت، ولا الفساد انتهى، ولا الإصلاح انطلق، ولا علاقات لبنان العربية والدولية انتظمت، ولا الاقتصاد تحسن، ولا السلاح غير الشرعي انتهى، ولا قرار السلم والحرب أصبح بيد الدولة ولا الحريري وجعجع حققا حتى في السياسة ما كانا ينشدانه من هذه التنازلات.

 

وفي هذا السياق أتى آخر تنازل للرئيس الحريري، وطبعاً ليس الأخير، والمتعلق بوزارة المال ليعيد الأمور إلى سابق عهدها في تشكيل الحكومات ولو اختلفت بعض الوقائع بالشكل، إلا أن النتائج ستكون استمرار نهج الحكومات السابق وستتعثر عملية ما يعرف بإنقاذ لبنان، لأن المشكلة الأساس ما زالت موجودة وبقوة وهي أن لا وجود للدولة ولقرارها الحر السيد المستقل، وكل كلام آخر ما هو سوى ترداد لمعزوفات فارغة تتكرر منذ ثلاثين عاماً وهي وإن حققت بعض النتائج في سنوات سبقت إلا أنها تداعت سريعاً عند أي استحقاق وتسويات كان فيها الحريري وجعجع من أصحاب التنازلات، لا بل يمكن القول إنها جرّت على البلد المزيد من المعاناة والمشاكل وكان آخرها التسوية التي أتت بالعماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.

 

السؤال المطروح الآن لماذا لا يجرب الحريري وجعجع المواجهة الفعلية لمرة واحدة؟ وهل ستكون نتائجها أسوأ من نتائج التسويات؟

 

إن المواجهة هي السبيل الوحيد كي يعلم الطرف الآخر أن البلد لا يدار من جهة واحدة، وأن ما أدى بلبنان إلى الهاوية لم يعد مسموحاً، وأن من حق اللبنانيين أن يعيشوا حياة كريمة مستقرة يسودها الازدهار والأمن والسلام، وأن البلد لا يمكنه أن يتطور وسيف الحروب مصلت على رؤوس أهله.

 

إن المواجهة ستدفع الطرف الآخر للتفكير جدياً بخيارات عقلانية لأن الخيارات المجنونة ستنقلب عليه داخلياً وخارجياً، فهل هو قادر مثلاً على السيطرة عسكرياً على كل لبنان؟ وإن سيطر ماذا سيفعل في اليوم التالي؟ وهل الدول ستقف متفرجة على ما يحصل؟ وهل الفئات الأخرى من اللبنانيين هي نعاج تساق إلى الذبح من دون أي مقاومة؟ وهل الوضع الاقتصادي سيتحسن عندها؟

 

في السياسة يعتبر تكرار الخطأ مؤشراً إلى عدم استخلاص العبر والدروس، وبالتالي يعتبر فشلاً لإدارة الأزمة المتمادية والتوصل إلى حلول دائمة وثابتة، وقد أثبتت كل التنازلات السابقة ذلك وستثبتها أيضاً التنازلات الحالية، فما ينطبق على حساب حقل باريس لا ينطبق على حساب بيدر لبنان، والمؤمن في النهاية لا يلدغ من الجحر مرتين، فكيف إذا لدغ أكثر من مرتين؟