IMLebanon

بعد التكليف… حكومة الحريري بـ”وجهين”؟

 

حتى اليوم لم تتوضح أسباب تأجيل الاستشارات النيابية الملزمة. أسبوع كامل ولم تظهر أي نتائج تخرق “جدار الأسباب” والأرجح انها لن تظهر لأن فائض الايام لن يخرج بأكثر من اتصالات خجولة تجرى خلف الكواليس، كان آخرها ما كشفته مصادر مواكبة عن اقتراح لرئيس الجمهورية ميشال عون بجمع رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والرئيس سعد الحريري في بعبدا، اصطدم برفض الجانبين وهو ما نفته مصادر “الوطني الحر” التي قالت: “لم يعرض علينا ولم نرفض ولم نطلب”، كما نفت وجود أي مساعٍ للصديق المشترك علاء الخواجة لعقد لقاء مشترك بعيداً من الاضواء.

 

في هذا الوقت يستمر عرض السيناريوات لما يمكن ان يحمله بعد غد الخميس. إرجاء للإستشارات ليس مستبعداً، ولو ضعفت احتمالاته، او تكليف للحريري بما يقارب السبعين صوتاً ليشرع بعدها بتشكيل حكومته، وتبدأ حينذاك المنازلة الكبرى على التمثيل والحصص.

 

كأن الجميع دخل في هدنة ما قبل التكليف على قاعدة تمرير الاستحقاق الاول لنبني على الشيء مقتضاه في الاستحقاق الثاني. لكن ما رشح منذ التأجيل لا يحمل بشرى خير للقادم من الايام. النوايا لم تصفُ بعد والمسؤوليات استمرت موضع تقاذف. يمضي الحريري قدماً في ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة مستنداً الى بركة “الثنائي الشيعي” وبناء على اتفاق مسبق مع الاشتراكي و”المردة”، فيما يبدو مصراً على تجاوز “الوطني الحر” ورئيسه، وحصر المداولات بخصوص التمثيل المسيحي بحصة لرئيس الجمهورية. صحيح ان التكليف لا يحتاج الى ميثاقية ويمكن لأي رئيس حكومة ان يكلف بعشرة اصوات وفي ظل تغييب طائفة بكاملها، ولكن المقصود هنا الميثاقية السياسية. بالمنطق لا يمكن للحريري تشكيل حكومته مستثنياً تكتلات نيابية لها تمثيلها الوازن في البرلمان، ولو اتفق مع ثلاث قوى أساسية هي “امل” و”الاشتراكي” و”المردة”. فمنطق حكومة الاختصاصيين الذي سيشكل حكومته على اساسه لا يستوجب تفاهماً مع فريق واستثناء آخرين، اللهم الا اذا كان في صدد تشكيل حكومة بوجهين اي حكومة تكنو – سياسية بالتعاون مع “الاشتراكي” و”المردة” وبري وحكومة اختصاصيين مع المسيحيين، فيكتفي بحصة مسيحية لرئيس الجمهورية والباقي يأتي بهم من فريقه. منطقياً لا يمكن لأي رئيس حكومة أن يبلغ تشكيل حكومة من دون اتفاق مع كامل المكونات النيابية الممثلة في البرلمان، ولكن على ما يبدو كانت الاطراف السياسية الاخرى مطواعة للحريري كل لحساباته أو أخضعته للمساومة فنالت منه ما تريد، مقابل تقديم تسهيلات من نوع تقديم اسماء اختصاصيين ويتولى بنفسه الاختيار من بينهم. النقطة الخلافية هنا لا تزال مع رئيس “الوطني الحر”. لم يهادن باسيل الحريري واستمر في التعاطي معه بندية بينما الآخرون كانوا أكثر سلاسة منه في تدوير الزوايا. لغاية اليوم ثمة سر خفي في هذا العداء المستحكم بين الرجلين والعصي على مساعي الساعين الى الصلحة.

 

يمرر الحريري ايامه بانتظار الخميس كي يخرج رئيساً مكلفاً للحكومة، اللهم إلا إذا استجد طارئ ما. في هذا الوقت تتعدد السيناريوات المتداولة حول مرحلة ما بعد التكليف في “بيت الوسط” من دون ان يتبناها الحريري. يتخوف المحيطون من ان يتقدم الحريري بتشكيلته الحكومية الى رئيس الجمهورية فيرفضها لعدم وجود تمثيل لـ”الوطني الحر” و”القوات”، ثم يعيد تقديم تشكيلة ثانية ويتم رفضها ايضاً الى ان يجد نفسه مجبراً على الاعتذار، وحينذاك يذهب الى خيار ابعد بتقديم إستقالته ونواب كتلته من مجلس النواب وتلحق بهم كتلة “القوات اللبنانية”. ولكن ثمة من يرى انه من المبكر الحديث عن خيارات كهذه وان تولى طرحها بعض المحيطين بالحريري ولم يأخذ بها، لعلمه أن خياراً كهذا لا يتوقف عليه وقد لا يجد من ينساق معه الى الاستقالة وتجربة المرة الماضية خير دليل، بحيث تمنّع وليد جنبلاط عن الالتحاق بدعوة رئيس “القوات” سمير جعجع الى إستقالة نوابه. الحريري ليس انتحارياً الى هذا الحد ويعلم ان قرار اسقاط مجلس النواب ليس بيده كما خيار الانتخابات النيابية المبكرة. مهما تعددت الأفكار أمامه تبقى مقاربة الموضوع الحكومي مختلفة بعد نيله التكليف، واذا كان الحريري يرفض بالمطلق تشكيلة حكومية من خارج “الثنائي الشيعي”، فإنه لا بد ان يتوقع ان “حزب الله” قد لا يرضى بحكومة لا تحظى بموافقة رئيس الجمهورية ولا يتمثل فيها “الوطني الحر”، او أن يمرر رئيس الجمهورية تشكيلة لا يكون له وللتيار الحصة المسيحية الوازنة فيها. مجيء الحريري مرهون بعاملين: تشكيل حكومة اختصاصيين لا يبدو ميسّراً، والمفاوضات مع صندوق النقد وأمرها ليس سهلاً ولا يمكن تقطيعها بسهولة، ما يعزز احتمال اما حكومة حسان دياب جديدة برئاسة الحريري او إعتذار للحريري متوقع في اية لحظة.