على وقع المآسي المتعاظمة التي تلقي بتداعياتها على اللبنانيين على أكثر من صعيد، يتقن العاملون على جبهة تشكيل الحكومة لعبة «الدومينو» التي تقود الى ماتش من «البليارد» بأعصاب «باردة» وشعارات «مفخخة»، سعياً وراء صفقة «مستحيلة» تحيي ما سقط من تفاهمات بين «بيت الوسط» و»البياضة»، طالما انّ ساكن البيت سينتقل الى السرايا الحكومية، على أمل ان ينتقل الآخر الى بعبدا رسمياً. وعليه ما هي المعطيات التي تقود الى هذه المعادلة؟
في الوقت الذي تكثفت السيناريوهات التي تحدثت عن وقائع اجتماع الساعات الثلاث التي امضاها معاونا الرئيس نبيه بري والأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله، النائب علي حسن خليل والحاج حسين خليل ومعهما توأمهما الثالث رئيس وحدة الأمن والارتباط في الحزب الحاج وفيق صفا في لقائهم الأخير مع رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل في البياضة، لم تكشف اي مصادر موثوق بها ما جرى في اللقاء. فبقيت وقائعه ملكاً للاربعة، ما عدا اولئك المتفائلين الذين قالوا انّ ما يجري هو محاولة لحماية «توليفة حكومية» جديدة، تقارب ما يمكن تحقيقه من خرق ما زال هدفاً صعب المنال.
الّا انّ مصادر تراقب سير المفاوضات، تشير وتحسم، انّ ما جرى حتى اليوم مضيعة للوقت. طالما انّ البحث لم يتقدّم على اي جبهة في لقاءات لا يُعرف ما الذي يمكن ان يتداوله المجتمعون فيها على مدى ساعات. والاخطر، انّ ما يُكشف عنه يتحدث عن محاولة لمعالجة «نقطة محدّدة» ينبغي التفاهم عليها بأقل ما يمكن من الوقت، إن صفت النيات. فالعِقَد المحكي عنها أخيراً هي ثلاث: أولاها توزيع الحقائب على القوى السياسية والمذاهب، وثانيها من يسمّي الوزيرين المسيحيين من خارج حصة رئيس الجمهورية و»التيار الوطني الحر» و»المردة» و»القومي»، وثالثها يتصل في إمكان إعطاء تكتل «لبنان القوي» الثقة من عدمها للحكومة.
وعليه، يقول العارفون بكثير من التفاصيل المملة، انّه عُقدت حتى الآن من أجل التأليف ثلاثة اجتماعات موسعّة ما بين اللقلوق والبياضة، ورابعها لم يُعلن عنه في قصر بعبدا بين الفريق عينه، واستغرقت بمجملها نحو 12 ساعة، وفي نهاية كل اجتماع كان يُقال انّه تمّ التفاهم على توزيعة ما للحقائب، ما عدا حقيبتين، عندما كان الخلاف قائماً حول وزارتي الداخلية والعدل، إلى ان قيل في الأمس القريب، انّ الخلاف بات محصوراً بحقيبة واحدة هي الطاقة.
وإن قيل انّ باسيل يرفض ان تكون هذه الحقيبة من حصّة فرنجية، لئلا يفتح دفتر الحساب حول ما مضى فيها، فإنّ ذلك يستحق التوقف عنده. فالخوف الذي عبّر عنه باسيل، إن كان ذلك صحيحاً، من ان يفتح ممثل «المردة» ملفات اسلافه الوزراء، بالنظر الى ما شهدته هذه الحقيبة من «فشل متمادٍ» في ادارة قطاع الطاقة والسدود، وهي الأكثر جدلاً في برامج مكافحة الفساد وسيناريوهاته التي هُدرت فيها ملايين الدولارات. فإنّ المنطق يقول انّ هذا الخوف ليس في مكانه. فهذه الحقيبة بالذات كانت في عهدة تيار «المردة» أبان التفاهم الذي كان قائماً لسنوات عدة بينه وبين التيار البرتقالي قبل انهياره. ولم يشارك في مسؤولية إدارتها منذ عقد ونصف عقد سوى حزب الطاشناق لفترة واحدة عندما تسلّمها الوزير ارتور نازاريان، الذي بقي محاطاً بمستشاري باسيل من كل حدب وصوب. وكان ذلك قبل ان يتولاها باسيل شخصياً، لتصبح من بعده في عهدة فريق مستشاريه سيزار ابي خليل، ندى البستاني خوري فريمون غجر.
وعلى هامش النقاش في هذا الامر التفصيلي، يشير المراقبون إلى أنّه لو كان هذا الامر صحيحاً، وانّ التوزيعة الحكومية على الطوائف والأطراف السياسية قد أُنجزت، فإنّ من مفاعيلها انتهاء هذه الفرضية حول حقيبة الطاقة. فالذين يشاركون في عملية التأليف يدركون انّ اي خلاف حول اي حقيبة ينعكس على التشكيلة كاملة، في ترجمة فعلية للعبة «الدومينو»، فتسقط التشكيلة كاملة وينفرط عقدها، ومعها يغيب اي تفاهم مهما قيل انّه كان متماسكاً ومتيناً.
ولمّا قيل انّ باسيل اقترح في اجتماع آخر، قبل رفضه ان تكون وزارة الطاقة من حصّة «المردة» وتأجيل البحث في مصيرها، برزت عقدة أخرى عنوانها «آلية جديدة لتسمية الوزيرين المسيحيين» من خارج التركيبة المتفاهم حولها، وتستبعد اعطاء أي حق للحريري بتسميتهما، تاركاً الأمر في عهدة اطراف اخرى. وتسرّب يومها ان لا مانع لدى باسيل من ان يسمّيهما اي شخص او طرف غير الحريري، كأن يتولّى المهمة رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية او رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط او ربما «الثنائي الشيعي». وهو ما عكس محاولة لخلط الأوراق مجدّداً، في لعبة تشبه لعبة «البليارد» التي يمكن ان تؤدي الى اصابة اكثر من هدف في آن واحد.
فمثل هذه الصيغة المعقّدة لو أُقرّت، لكانت قادت إلى الإيقاع بين هذه الأطراف والحريري. فعدا عن إنهاك الحريري بهذه الصيغة المتشعبة، يبقى انّ الهدف منها تعطيل ما يصبو اليه من إصراره على تسمية وزيرين مسيحيين. مستنداً الى قاعدة متينة وثابتة، تقول، انّه لطالما كان له في الحكومات السابقة وزراء مسيحيون ومن اقرب المقرّبين اليه. وهو يجمع في كتلته النيابية وحزبه نواباً ومحازبين مسيحيين من كل المذاهب، وسبق لهم ان نالوا في الانتخابات النيابية عشرات الآلاف من الأصوات المسيحية التفضيلية في مناطق مختلفة من لبنان، ولا يتوقف تمثيله عند الطائفة السنّية على قاعدة انّه الاقوى فيها ونقطة عالسطر.
وعليه، فقد اثبتت وقائع هذه اللقاءات المشار اليها، انّ لعبتي «الدومينو» و»البليارد» محترمتان في قواعدهما الأساسية. فإلى الأهداف المعلن عنها والمشار إليها آنفاً، يمكن التوقف عند مواقف اخرى تحيي هذه النظرية. فالتهديد باستقالة نواب «لبنان القوي» من المجلس النيابي لإنهاء مهمة تكليف الحريري، وصفت بأنّها تستهدف الثنائي الشيعي قبل الحريري، وخصوصاً عندما اعتُبرت انّها خطوة يمكن ان تُفقد المجلس النيابي شرعيته الدستورية، في وقت ما زالت رئاسة الجمهورية مشغولة بالمواصفات الدستورية والمطلوبة، عدا عن «تجاوزها حدّ السلطة»، كما يتهمها البعض، إن توقف المراقبون امام ما سُمّي «مصادرة» صلاحيات «حكومة تصريف الاعمال» بالحدّ الادنى الذي يحرص عليه رئيسها حسان دياب. والأمر يتصل عند تفسيره، بالإشارة الى نتائج اجتماعات المجلس الاعلى للدفاع شبه المتواصلة، او عبر اللقاءات الاقتصادية والمالية والقضائية والدستورية التي أنتجت قرارات ملزمة من خارج الاصول الدستورية، الى درجة المسّ بمبدأ الفصل بين السلطات الذي تحول نظرية فارغة من مضمونها في أكثر من محطة وقرار. والى ذلك، يمكن القول إنّ ساكن السرايا الحكومية ما زال في وضع دستوري صحيح، وهناك رئيس مكلّف له دوره الدستوري الذي لا نقاش فيه.